ليس في العالم دولة باتساع الروسيا، فمساحتها ٨ , ٧٦٤٠٠٠ ميل مربع ممتدة من أواسط أوربا غربا إلى المحيط الهادي شرقا، ومن المنطقة المنجمدة الشمالية شمالا إلى البحر الأسود وبحر الخزر والقوقاز وإيران والصين جنوبا. فبلاد مثل هذه تختلف أجواؤها من البرد القارس في الشمال إلى الحر اللافح في الجنوب، ومن غزارة الأمطار وما يتبعها من الرطوبة إلى الجو الصحراوي الجاف ذي الرياح الحارة. فتكاد تكون روسيا سلسلة من السهول المتسعة الأرجاء تفصلها سلاسل من الجبال وعدة من الأنهار، فالزراعة فيها إذن تمثل زراعة المناطق شبه الحارة، وكذلك الزراعة الصحراوية الجافة، وزراعة المناطق المعتدلة الرطبة والمناطق الباردة الثلجية. وكان يسكن هذه البلاد نحو ١٧٠ مليون نسمة منهم نحو ٨٠ % من الفلاحين المسخرين لأسيادهم من أسرة القياصرة والنبلاء والأشراف الذين كانوا وحدهم يمتلكون الأرض
حالة الفلاح قبل عهد السوفييت
نعم كان هؤلاء الفلاحون عبيدا أرقاء ينتقلون من سيد إلى سيد، وكان الفلاح يسمى (موجيك)، وهي تصغير كلمة (موج) أي الإنسان بالروسية. ومعنى ذلك أن الفلاح الروسي كان في نظر مستعبديه في عهد القياصرة مخلوقا أدنى من الإنسان كالمنبوذين في الهند، فلا عجب أن وصموه بما يوصم به الفلاح المستعبد في أي بلد آخر بالوحشية والقسوة والكسل واللصوصية والنفاق والغش وغير ذلك من الصفات المنفرة، ونسوا ما وضعه الله فيه من المحاسن الخلقية التي برزت في أوضح شكل بعد نيله حريته. فالفلاح الروسي كغيره من أبناء الطبيعة ماهر في الاستفادة من كل ما حوله فتراه في الغابات الشمالية الروسية يصنع قوارير السوائل من قلف الأشجار، ويجدل الألياف الداخلية لهذا القلف ويصنع منها أحذيته. وتراه في بلاد أوكرانيا، حيث تنعدم الأشجار الخشبية يبني أكواخه من قصب الغاب والطين. وترى الفلاح الروسي يصنع سروج خيله بنفسه من الجلود التي يدبغها، فهو لا