حينما بعثت رسالة الغفران لشاعرنا العظيم أبي العلاء كثر الجدل بين الأدباء حول الأصل الذي استقى منه دانتي ألليجيري صوره الرائعة التي حشدها في كوميديته، وكاد الجميع يجزمون أن ذلك الأصل هو رسالة الغفران، وأيدهم في ذلك مستشرقون كثيرون حتى كادت المسألة تعتبر مفروغاً منها وأن دانتي إن هو إلا عالة على أبي العلاء. . . ثم قام أديب مسيحي فاضل فنقل الموضوع إلى ميدان آخر إذ حاول أن يثبت أن دانتي لم يقلد أبا العلاء وإنما هو قلد (رؤيا يوحنا اللاهوتي) الواردة بالإنجيل.
وقد يكون هؤلاء وهؤلاء على شيء من الحق فيما ذهبوا إليه من رأي، وان كنا نحن لا نميل كثيراً إلى رأي أصحاب أبي العلاء - لأننا برغم براهينهم الكثيرة التي أدلوا بها - نشك في سرعة تنقل الثقافة العربية من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى وسطه وغربه بهذا القدر الذي يبالغون في وصفه لا سيما في أسود فترات العصور الوسطى: ثم نحن لا نرى كبير شبه بين آل في كوميدية دانتي وبين جحيم أبي العلاء، ويكاد هذا الشبه ينعدم فيما يتعلق دانتي والبعث في أبي العلاء. . . أما دانتي فهي شيء وفردوس أبي العلاء شيء آخر. . . ونحن نعترف أن ثقافة العرب كانت تجرف أوروبا خصوصاً من جهة الأندلس ثم من جهة صقلية، ولكن الذي نشك فيه هو انتقال أدب أبي العلاء إلى إيطاليا لدرجة أن يؤثر في أدبائها إلى هذا الحد وفي زمنه كانت طرق المواصلات محفوفة فيه بأكبر المخاطر، ذلك إلى غلاء وسائل الثقافة حينئذ وأهمها الكتب التي كانت تكتب كلها باليد، ونحن نرجح أن دانتي تأثر إلى حد بعيد بالمصادر الدينية (وأهمها الإنجيل والقرآن) والمصادر اليونانية وأهمها (الإلياذة والأوديسة) ثم بملحمة مواطنه العظيم (فرجيل) الأنييد
فمن رؤيا يوحنا اللاهوتي ومن الأوصاف البارعة للجحيم وطبقاتها وصنوف المجرمين الواردين عليها المذكورة في كثير من سور القرآن قد اقتبس دانتي خياله الذي نسق به جحيمه ولا ننس أن احتكاك أوروبا بالمسلمين في الحروب الصليبية كان يغشى الثقافة الإسلامية في هذه الفترة أوانئذ، وخير ألوان هذه الثقافة ما في كتاب الله، أما تأثره بالإلياذة والأوديسة والأنيد فهو أقوى وأظهر، وقد درسنا هذه الملاحم جميعاً وأنعمنا النظر في ألـ