هذه داري، الدار التي أقمتها على أطراف الصحراء بمصر الجديدة لأفتح أمام قلبي آفاق المجهول من عوالم المعاني، وهذا وطني، الوطن الذي عانيت من أجله ما عانيت، ولم أخنه في سر ولا جهر، ولم ير مني غير الصدق والوفاء
هذه داري وهذا وطني، ولكن أين أحبائي؟
من كان يظن أني أقضي الأيام والأسابيع فلا أجد من يسأل عني بعد غياب الشهور الطوال؟ من كان يظن أني لا أجد أنيساً غير بريد بغداد على بُعد ما بيني وبين بغداد؟
من كان يظن أني أحبس نفسي في داري لياليَ وأياماً فلا يُسهد لعزلتي جفن، ولا يحزن قلب، ولا يرتاع وجدان؟
من كان يظن أني لم أتلق من الإسكندرية غير خطاب واحد، ولم أتلق من دمياط غير خطاب واحد، ولم أتلق من سنتريس غير خطابين اثنين، وسكت من أهواهم في المنصورة وأسيوط؟!
من كان يظن أني لم أعبُر شارع فؤاد غير مرة واحدة منذ رجعت من بغداد؟
وما فائدتي من عبور ذلك الشارع المتموِّج؟
كان لي في القاهرة هوًى معبود فتبدد وضاع، كانت ليلاي في الزمالك، فأين ليلاي وأين الزمالك؟
أنا أطفئ المصباح بعد نصف الليل وأفتح النوافذ لأرى كيف يهيم نور القمر فوق رمال الصحراء، فماذا تصنع ليلاي بالزمالك أو ليلاي في العراق؟
آه ثم آه من حيرة القلب في غفوات الليل!
أيتها الصحراء
إن حالك مثل حالي مَوَات في مَواَت
وقد تمرح فوق ثراك الميت هوامّ وحشرات
وفوق ثرى قلبي الميت تمرح هوام وحشرات هي السخرية من الناس، واليأس من صلاح