للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

ليلة في مقبرة

عن جي دي موباساق

بقلم الأستاذ رمزي مزيغيت

لقد أحببتها حب جنوني. . ولا تسلني لماذا يحب المرء، وهو إذا ما أحب تغيرت حاله وبات لا يرى من الناس إلا شخصا واحدا، ولا يختلج قلبه إلا برغبة واحدة، ولا تهمس شفتاه إلا اسما واحدا يتصاعد من أعماق الروح كما تتصاعد المياه من الينابيع. . اسما واحدا يردده العاشق على الدوام ويهمس به حيثما كان كالصلاة.

سأروي لك قصة حبنا، وما قصتنا إلا قصة الحب الخالدة التي لا تتغير أبدا الدهر. .

لقد قابلتها يوما وأحببتها. . هذا كل ما جرى. . ثم عشت معها حولا كاملا ذقت خلاله صفو الحياة وانطلقت بدنيا الحب ألحق بأجواء الغرام، أغرد في أنس وأسكن في أمن. . فكان لي من حبها دنيا جعلتني سعيدا خليا لا أبالي بمقامي أو مآلي. .

ثم ماتت. . كيف ماتت. . لست أدري. .!؟ كل ما أعلمه أنها عادت إلى البيت ذات ليلة ماطرة مبللة الثياب. وفي اليوم التالي انتابتها نوبة من السعال أخذت حدتها تشتد يوما بعد يوم. ومضى أسبوع على هذا الحال فلزمت الفراش. . أما ما حدث بعد ذلك فلا أذكر منه إلا أن الأطباء حضروا وفحصوا الداء ووصفوا الدواء، وجاءت بعض النسوة لرعايتها وتمريضها. . كانت يداها ملتهبتين وجبينها يشتعل نارا وعيناها لامعتين حزينتين، وكنت أحدثها وتحدثني. . أما ماذا كنت أقول وماذا كانت تجيب فلست أدري. . فقد نسيت كل شيء. . ولست أذكر سوى أنها ماتت، وسوى تلك الآهة الواهنة التي انفلتت من بين شفتيها ساعة انطلقت روحها إلى بارئها.

وحضر الكاهن وسمعته يقول لي. . (أهذه خليلتك؟) فخيل إلي أنه يسيء إليها وينتهك حرمة الموت فطردته شر طرد، وجاء غيره وكان وقورا طيبا، فراح يحدثني عنها بلطف واحتشام ومقلتاي تهرقان الدمع مدرارا. .

وجاء المشيعون، وأودعوها نعشها، وثبتوا غطاءه بالمسامير ثم حملت إلى المقبرة - مثواها

<<  <  ج:
ص:  >  >>