للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الكتب]

الأوذيسة. . . .!

بين هوميروس ودريني خشبه

للأستاذ زكي المحاسني

أين أنت يا عولس بعد أن دكت العصور عهدك القديم، وهدمت حرب الأمس قومك الحديث، وضاع كل شيء من آثارك إلا كتابا خلدك بين أناشيده هوميروس أبو الشعراء؟

هلم عولس من أطباق ثراك إن كان معروفا ثراك، وجيء حمى العربية تلق كتابك فيها منشورا، وذكرك بلسانها مسطورا.

تلك هي (الأوذيسة) تنشر في لغة العرب اليوم أول مرة، ولئن سبق الأستاذ دريني خشبه فأخرج للناس (قصة طروادة)، فإنما كانت (الإلياذة) معروفة لدى العرب المحدثين منذ نظم ملحمتها الكبرى سليمان البستاني بلغة الضاد.

ولئن لم يكن للأستاذ خشبه في (قصة طروادة) سابقة التعريب، فقد كانت له فيها طرافة الرواية ورقة البيان، وقد كثر فيها صليل السلاح وعراك الحروب، فدارت حوادثها في البطولة والحماسة. أما (الأوذيسة)، فأكسبت الأستاذ خشبه سابقة النقل إلى العربية منذ نظمها (هومير) باليونانية العتيقة، وكانت سيرة الأخطار في البحار، وغرائب الحدثان في الحب والوفاء.

وقد ذكر المؤرخون أن العرب في العصر العباسي عرفوا (الإلياذة) وترجمها المرحوم (الرهاوي) أحد المقربين من الخليفة المهدي. أما (الأوذيسة)، فلم أجد أحدا من المؤرخين وأهل الأدب القديم قد ذكر أن العرب ترجموها أو عرفوها، فأكبر عندي ذلك أن أجدها اليوم بالعربية في جملة آثار النهضة الثقافية التي تهب في هذه الآونة على وادي النيل.

لكن الأستاذ خشبه لم يلزم ترجمتها في النص، ولا رعى الأناشيد في الشعر، وإنما ابتكر طريقة أخذ نفسه بها في سرد الأدب اليوناني القديم منذ أخرج كتابه الأول (أساطير الحب والجمال عند الإغريق)، وهي طريقة تنزع إلى الفن ومرانته أكثر مما تلم بالتاريخ وجموده. إن حوادث (الأوذيسة) لفي وعي راويها الأديب الذي يجيء بها على أنماط

<<  <  ج:
ص:  >  >>