قصصية آخذ بعضها بهامات بعض، وهو بهذه الطريقة ذو سابقة أيضا في أخبار الأساطير.
يتجهم لهذا الفن القصصي ناس يؤثرون عليه ترجمته بالنص، وقد يعسرون فيطلبون أن تكون الأوذيسة شعرا في العربية على نمط ما فعل البستاني بالإلياذة، لأن ذلك أبقى للأثر وأقرب تقليدا لأصله، وإن المذهب هؤلاء النقاد في نثر كان شعرا هو مذهبهم في ماء كان خمرا.
لكن أمثال أولئك الناقدين إذا ألموا بهذه الأوذيسة وتركوا مذهبهم قليلا، أنساهم أسلوب الأستاذ خشبه تلك الشروط، فراحوا مغمورين بسحر من القول وبراعة في الوصف، فجاسوا بأنظارهم خلال الحدثان منذ انتهت الحرب الطروادية، حتى عاد عولس إلى بلاده، فإذا فرغوا من كل ذلك حصلوا على السيرة الثانية التي تركها هوميروس ميراثا للآداب العالمية.
ضاع عولس في اليم وتفرق شمل صحابه، وأروع ما على اليم من أخطار تلك الجزيرة التي كان يملك عليها بوليفيم زعيم السيكاوب الإنسان الجبار. أما وصف بوليفيم، فنسج أسطورة مغرفة في الخيال. كان على هيئة إنسان ضخم كجذع شجرة السنديان عريض الألواح، وكان طوالا جسيما، يداه كغصنين، ورأسه كصخرة كبيرة، إنه ليستطيع أن يضع في كفه إنسانا، وأن يطبق أصابعه عليه. أما جبهته، فصفحة مبسوطة في بهرتها عين واحدة كفم البئر.
ومشى مهرولا، فاهتزت الجزيرة التي أرسى عليها مركب عولس وصحابه، وأحس عولس ورفاقه أن الكهف الذي أووا إليه يكاد يكون لهم مرقد المنية، فها هو ذا بوليفيم مقبل نحوهم بقطيعه يهش عليه بشجرة لها فرعان، كل فرع منهما كعمود المركب الكبير. أما أغنامه فكالثيران مرسلة الشعور إلى الأرض لحومها غذاؤه ولبنها شرابه.
ودخل الكهف البوليفيم فوجد ضيوفه، فلم يحسن لقاءهم؛ وإنما أخذ باثنين منهم فألقاهما في الفضاء حتى نطحا برأسيهما سقف الكهف ثم انحطا على الأرض هشيمين، فأكلهما شيا على النار بغير سفود، وجلس يتلمظ فسد باب الكهف بجسمه وأخذ يغط في نوم عميق.
فريع عولس وصحبه وعرفوا موتهم عند انتباهته، فاحتالوا له في يومهم الثاني. فتقدم إليه