لم تكن بداية هذه المعركة تنذر بما آلت إليه، فما كانت في أولها إلا خصومة بين مذهبين في الأدب وأسلوبين في الكتابة، فما لبثت من بعد أن استحالت إلى حرب شعواء يتقاذف فيها الفريقان بألفاظ الكفر والظلال والإلحاد والغفلة والتعصب والجمود، وانتقلت من ميدان الأدب واللغة إلى ميدان الدين والقرآن، ثم إلى ميدان السياسة والحكومة والبرلمان، ثم إلى ميدان القضاء. والدكتور طه رجل لا تستطيع أن تفرق بين مذهبه في الأدب ومذهبه في الدين، ولا بينهما وبين مذهبه في السياسة. والرافعي رجل كان لا يفرق بين الدين والأدب، ولا يعرف شيئاً منهما ينفصل عن شيء أو يتميز منه، ولكنه في السياسة كان يتحلى بفضيلة الجهل التام، فلا تعرف له رأياً في السياسة تؤاخذه به أو تناقشه فيه، لأنه كان لا يعرف من السياسة إلا حادثة اليوم بأسبابها، لا بأصحابها. وكم جر عليه هذا الجهل السياسي من متاعب! وكم ألصق به من تهم! ولكنه هنا كان من عوامل توفيقه في هذه المعركة
في سنة ١٩٢٥ كانت الحكومة للأحرار الدستوريين ولأصدقائهم. والأحرار الدستوريين حزب طه حسين، نشأ بينهم ووقف قلمه على الدعاية لهم. فلما رأى علي ماهر باشا أن يضم الجامعة المصرية إلى وزارة المعارف، أنضم معها الدكتور طه حسين أستاذ الأدب العربي بالجامعة.
ومضى الدكتور طه يحاضر طلابه في كلية الآداب محاضرات في الأدب الجاهلي، على الأسلوب الذي رآه لهم؛ فلما استدار العام جمع طه محاضراته في كتاب أخرجه للناس باسم (في الشعر الجاهلي)؛ وقرأ الناس كتاب الدكتور طه حسين بعد أن سمعه طلابه منجماً في