باب الخلق أو باب الخُرْق كما يسمى في الخطط القديمة، ميدان يقع من القاهرة في الصميم، وكأن الحكومة رأت فيه هذا المعنى. فأقامت به دار المحافظة لتكون في الوسط لكل مواقع المدينة يخترق شارع محمد علي، وهو مجاز المواكب الرسمية والعسكرية بين القلعة والعتبة، والقلعة والعباسية، والقلعة وعابدين. ويمر به الطريق الواصل بين الحسين والسيدة والإمام، فما تكاد تنقطع منه جموع القرويين الذين جاءوا إلى مصر يوفون بالنذر لأهل البيت، ويستعطفون الأسياد بالنظرة. وفيه تقوم دار الكتب المصرية وهي كعبة يحج إليها طلاب الثقافة والمعرفة من أبناء الأزهر، وشباب الجامعة، وتلاميذ المدارس، ومن في نفسهم الرغبة في الأدب والعلم من مختلف الهيئات وشتى الجهات. . .
وكأن وجود دار الكتب في هذا الحي هو الذي صبغه من قديم بالصبغة الأدبية، وجعله مهوى كثير من الشعراء والأدباء والصحافيين، وكم لهم في هذا الحي من سهرات عامرة، ومجالس حافلة، وذكريات كلها البهاء والرواء، والأدب والشعر، والمضاحيك الحلوة الخالدة، وناهيك بمضاحيك حافظ ونسيم وإمام العبد وصاحب (الصاعقة) ومنشئ (الحمارة) وإخوانهم من الذين ذهبوا في الذاهبين، أو تخلفوا إلى حين!
في هذا الميدان الأدبي العامر، وفي المثلث الحادث من تقاطع شارع محمد على بدرب الجماميز وأمام جامع الحين الذي لا أعرف إلا اسمه، يقع كازينو باب الخلق. ولهذا الكازينو تأريخ قديم، وذكرى غابرة، فكل ما فيه من مظاهر الأبهة، فهو طريف مستحدث، قضى به العصر، وتطور به الزمن، عن أصل كان هو المظهر السائد في مصر القديمة!
كان هذا الكازينو من قبل يسمى (قهوة باب الخلق) وكانت هذه القهوة بين غسق القرن الغابر، وغلس القرن الحاضر، ندياً من أندية الأدب في مصر، على ما يحكي الصحافي العجوز، فكان يجلس فيها الشيخ أحمد الفتاح، والشيخ محمد المهدي، والشيخ الحملاوي،