ومحمود بك أبو النصر، وحفني بك ناصف، والشيخ محمد الخضري، تحيط بهم نخبة من طلاب الأزهر ومدرسة المعلمين الناصرية - أي دار العلوم - فيأخذون في أمشاج من أحاديث الأدب واللغة والدين والسياسة في بعض الأحايين.
ثم فعلت الأيام ما فعلت وقامت دولة مكان دولة واحتل القهوة الشيخ محمود حسن زناتي، والشيخ طه حسين، والشيخ أحمد حسن الزيات، والشيخ إبراهيم مصطفى، ومن على شاكلتهم من تلاميذ المرصفي والمهدي والشنقيطي ممن تمردوا على حوشي الأزهر ومتونه وهوامشه، فلما شب عمرو عن الطوق انصرف كل إلى شأنه في الحياة وقد بقي في نفسه شيء من تلك الحياة. أما الدكتور طه فسخر بماضيه وتمرد على إخوانه وراح ينعتهم (بأدباء باب الخلق) زراية عليهم وغضاً من شأنهم. وأما صديقنا الشيخ محمود زناتي فما زال يذكر تلك الأيام بالخير، وما زال يتشهى شطير الجبن والعجوة الذي طالما تناوله من يد عم أحمد - هو وصاحبه طه - في ذلك المكان. وأما أستاذنا الزيات فإذا ما سألته الخبر في ذلك نظر إليك ساهما وهو يقول: تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. صحيح صحيح! لقد كان ما كان!
ثم كان بين الغابر والحاضر فترة من الزمن للتمول والتمور، فقد وفد على مصر وافد الرقي والحضارة، وقامت في رؤوس القوم النية في تنسيق القاهرة وتجميلها، وكان لا بد لباب الخلق من أن يتسع فناؤه ويعلو شراعه وأن يصير إلى نظام أنيق يلائم روح العصر، وكان لابد أيضاً لقهوة باب الخلق أن تتطور وتتحور وأن تلبس لباس الجديد، فأصبح اسمها الكازينو بدل القهوة، وصار بناؤها من الزجاج الشفاف وقد كان قبل من حجر المقطم، وغدت وهي في عصمة شاب مصري ناهض من صميم الريف وقد كان يقوم عليها من الذين ابتلى الله بهم مصر حيناً من الدهر
واليوم يقوم الكازينو في باب الخلق نادياً أدبياً يقصده كثير من الأدباء والشعراء ورجال الصحافة والفن، فتجد السيد حسن القاياتي يهبط عليه في الفينة بعد الفينة؛ وإذ يجلس السيد القاياتي فإنما يحفل مجلسه بالأدب والشعر والرواية والتاريخ والمواليا والزجل، وما ينفض المجلس إلا وقد تحمل الشيخ لحسابه ما ينوء به جيب الأديب. ولكن الله قد بارك في جيب الشيخ