للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبو العلاء المعري]

للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

- ٢ -

عبقرية عربية نثرت فبهرت، ونظمت فعجبت، وفكرت فحيرت، أبدعت وتفننت إذ قالت وألفت فأدهشت. وعلمها في كل فن من فنون اللغة علم إحاطة، علم ألحفي المحيط لا العالم النتفة. وإذا لم نر (الأيك والغصون) - وهو نحو من مائة جزء - وغير الأيك والغصون، ومؤلفات الشيخ كثير فقد رأينا المطبوعات المعروفات، واستدللنا بما حضر على ما غاب، ولم نستبعد ما روى ابن القارح في رسالته: (الشيخ بالنحو اعلم من سيبويه، وباللغة والعروض من الخليل) ووجدنا أبن القارح هذا من المقتصدين حين يقول:

(. . . لقد سمعت من رسائله غقائل لفظ، إن نعتها فقد عبتها، وإن وصفتها فما أنصفتها. وأطربتني (يشهد الله) إطراب السماع، وبالله لو صدرت عن صدر من خزانته وكتبه حوله يقلب طرفه في هذا، ويرجع إلى هذا. . . لكان عجيبًا صعباً شديداً. ووالله لقد رأيت علماء، منهم ابن خاوية، إذا قرأت عليهم الكتب ولاسيما الكبار رجعوا إلى أصولهم كالمقابلين يتحفظون من سهو وتصحيف وغلط. والعجب العجيب والنادر الغريب حفظه لأسماء الرجال والمنثور كحفظ غيره من الأذكياء المبرزين المنظوم. وهذا سهل بالقول، صعب بالفعل، من سمعه طمع فيه، ومن رامه امتنعت عليه معانيه ومبانيه)

وإني لأقول: إنه لمن النادر الغريب أن يختار الأديب عبقرية نثرية، وعبقرية شعرية، كما احتاز هذا الشيخ: وإذا كانت الإجادة لا تتفق في فني المنظوم والمنثور معاً إلا لأقل - كما قال ابن خلدون - فكيف حال العبقرية؟ وهذان الشاعران العبقريان أبو يمام والمتنبي لم ترو لنا كتب الأدب والسير من نثرهما إلا رسالة قصيرة للأول سطرها البديعي في (هبة الأيام)، ورسالة أقصر منها للثاني أوردها ابن خلكان في (وفيات الأعيان). وأما البحتري المسكين. فكان لا يستطيع أن يخط في النثر سطراً، وإذا خاطب أحداً في شأن وجه إليه شعراً. قال الشيخ في إحدى رسائله: (روى أن البحتري كان لا يقدر على كتب رقعة، فيجعل المنظوم عوضاً عن المنثور)

وآلية محلوفة بالقرآن وإعجازه، لو أن هؤلاء الشعراء الثلاثة، وهم عند ابن الأثير وغير

<<  <  ج:
ص:  >  >>