للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ابن الأثير أشعر العرب (هؤلاء لات الشعر وعزاه ومناته، الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته) مشوا في عرض (العروض) المتشعبة، ومناحي (النحو) المتفرقة المتصعبة، كما مشى الشيخ، ونقبوا مثلما نقب، واستظهروا من مقالات الفلاسفة والمتكلمين ومصنفات الفقهاء، أهل النحل بعض ما استظهر - لأجبلوا إجبالاً أو غث كلامهم أو جاؤا في القريض قرازيم. لكن عبقرية الشيخ قوية جنية قد تسيطرت على كل فن، ولم يسيطر عليها فن، ولم ينزل نضيمها ونثيرها من عليائهما في وقت، ولم تتبدل لهما ديباجة أو بهجة.

إذا قال أبو الطيب:

ما به قتل أعاديه ولكن ... يتقي إخلاف ما ترجو الذئاب

فنط وشط وبدت (فأعلن) في العروض (فأعلاتن)

في حين أن المتنبي - كما قال الشيخ -: (كان شديداً التفقد لما ينطق به من الكلام؛ يغير الكلمة بعد أن تروى عنه، ويفر من الضرورة وإن جذبه إليها الوزن).

وإذا قال (الوليد) البحتري:

وكأن الأيام أوثر بالحسن عليها يوم المهرجان الكبير فكسر وجاء نقص من الزيادة.

وإذا قال حبيب بن أوس:

بالقائم الثامن المستخلف اتطأدت ... قواعد الملك ممتداً لها الطول

فتهور البيت في اللغة بـ (اتطأدت) ولم يتطد.

إذا جازف في اللغة المجازفون، وطفف المطففون (ويل للمطففين) فعند الشيخ الموازين القسط، عنده القسطاس المستقيم، وميزان الصيدلاني الحكيم.

(موازين صدق، كلها غير عائل)

نثر أبو العلاء مترسلاً ومسجعاً، فبذ الناثرين في وقته ومن بعده كلهم أجمعين، وشعر فتبدى في سماء القريض شمساً علائية لا تأفل ما كان القرآن، وكان هذا اللسان المبين.

ولقد أصاب الشيخ وأطاب حين حاش في رسائله ودواوينه وكتبه الكلمات الغريبات، فجمع نادات شاردات لم نر الكثير منهن في معجم من المعجمات. وإن عربيات قديمات نشأن في (الجزيرة) مع أخوات لهن - لحربات أن يظهرن وأن يعرفن. وقد برع أبو العلاء إذ نص

<<  <  ج:
ص:  >  >>