تلك الغرائب في حلل عدنيات من العبارات كأنهن عرائس قعدن فوق منصات. ولأن تجتاف لفظة غريبة جملة أو بيتاً خير من أن توحد. ولكل لغوي في التصنيف نمط. وإذا أحسن المعري فقد أجاد ابن سيده، وأجاد الجوهري وابن دريد.
لم يكن الشيخ من العبقريين الملهمين، بل كان من العبقريين الدارين المدركين، تعلم واستعلم فعلم، وسأل واستفهم ففهم. وللقائل الملهم حال، وللمدارس حال، ولذاك وحي، ولهذا مقال. والوحي لا يحصل، ولا يؤازيه مؤاز.
وقد استهام الشيخ بلغة العرب، وكان متمناه في دنياه أو مرجاه الأسمى أو مثله الأعلى أن ينبغ فيها وفي علوها فنبغ، وبلغ حيث بلغ. فهويه هو هذه اللغة، وفنون زمانه التي شاء عرفانها هن للمهوى تبع.
وإذا تمادى الشيخ في إعجابه بالعرب الأقدمين، وتطربه سجع محدثين مسجعين فقلد، فقد افتن في تقليده واجتهد، فعد في الشعراء والكتابين من المبدعين. وتذرع أبو العلاء بالله وتحاميده وتماجيده فنظم (اللزوميات) وصاغ أو حاك (الفصول والغايات) والمقاصد لغوية لا ألهانية لا دينية، وأن اشتعلت على أشياء منوعات، ملونات، مهولات قد بدت مثل (صندوق العجب. .) وما كان يغرب حين يغرب حتى يعمي مقالة، ولكن ليعلن قدرة وبراعة. وكيف يكفر معنى قصده وقد اصحبه شرح الغريب من ألفاظه؟
ومؤلفات الشيخ العبقرية هن بنات القصد والنكلف وبنات الأثرية.
(. . . وقد تكلفت في هذا التأليف - يعني الشيخ اللزوميات - ثلاث كلف، الأولى أن ينتظم حروف المعجم عن آخرها. والثانية أن يجيء رويه بالحركات الثلاث وبالسكون بعد ذلك والثالثة انه لزم مع كل روى فيه شيء لا يلزم من ياء أو ثاء أو غير ذلك من الحروف.
ولو لم يجب الشيخ داعي أثريته، ويحقق قوله في لاميته، ويقصد ويتكلف ما كانت أمثال (اللزوميات والفصول والغايات والأيك والغصون) مما عرفناه وحرمناه إياه جهل الجاهلين، وضلال الصلييبن، وتتربة التتر، وحوادث الأيام، وما كانت العربية ازدادت ثروة بباهرات عبقريات تباعت بها، وباعت غيرها من اللغات. وإذا هجن في العلم والأدب تكلف الضعفاء العاجزين حين يتكلفون، فتكلف العباقرة القادرين يجل عن كل تعقيب أو تهجين