من المبادئ المقررة أن للقانون الدولي أيضاً أشخاصه ورعاياه تسري عليهم أحكامه التي يخضعون لها ويحترمونها، وقد تعددت آراء الفقهاء حول طبيعة هؤلاء الأشخاص، فقالوا بأنهم الأفراد العاديون في رأي، وبأنهم الدولي في رأي ثان، وبأنهم الأفراد مجتمعين في دولهم في رأي ثالث، وهناك آراء أخرى نضرب عنها صفحاً لنذكر أن الاتجاه الغالب هو أن شخص القانون الدولي هو الدول، وما دام الأفراد متساوين أمام القانون العادي كذلك تتمتع دول العالم بالمساواة صغيرها وكبيرها، فنرى القانون الدولي يعلن ذلك صراحة، وتأتي المواثيق الدولية فتكرر حق المساواة، ومن بينها ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد في ديباجته الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال وللنساء وللأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، والذي جاء ضمن مبادئه أن الهيئة تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها.
ولكن هذه المساواة التي تكلمنا عنها لا تعدو مساواة الدول أمام القانون، فإذا ما خرجنا بها إلى ميدان الحقائق العلمية وإلى حيز الواقع والتطبيق، نجدها تتلاشى أمام حقيقة لا مراء فيها: وهي أن هناك دولاً قوية تهيمن، وأخرى صغيرة تذعن، والقوة هنا هي قوة المصالح، ولم يفت الفقهاء وهم يعقبون على حق المساواة أن يشيروا إلى هذه الحقيقة الواضحة، ويجدوا لها تطبيقات عدة حتى في عصبة الأمم نفسها، حيث كانت الدول الصغيرة تفسح الطريق لسيطرة الدول القوية عليها في بعض اللجان، وذلك لشعورها بقوة مصالحها فيما يختص بالغرض الذي أنشئت من أجله هذه اللجان، وتبدو مظاهر هذه السيطرة مثلاً في مسألة التصويت على القرارات كي تكتسب قوة التنفيذ، فيكون للدولة القوية صوتان أو أكثر وللدولة الصغيرة صوت واحد، وقد يشترط لتنفيذ القرارات أن تؤيدها الدول القوية، ولو كان لكل منها صوت واحد. إن الحديث عن هذه المظاهر يمتد إلى نواح عديدة. . . وكلها شاهد على أن نزعة السيطرة والغلبة، وقد تكون الأثرة ما زالت هي الغالبة في مجالات السياسة الدولية، فالعقلية المضحية التي تفهم المساواة على وضعها الصحيح لم توجد بعد، ولا يخلو ميثاق هيئة الأمم المتحدة من مواضع كثيرة يمكن نقده فيها على ضوء