المتنوعة، فنحس أن هناك جسما شاملا واحداً عالمياً، ونشعر أن هذه القوانين الطبيعية تشملنا وترتبط بنا برباط واحد، وندرك أن أجسادنا وأعضاءنا أشياء عالمية، وأن البخار والكهرباء من أعصابنا وعضلاتنا، فنعرف أن هذا العالم جميعه ما هو إلا جسم واحد ممتد لنا.
فالقوانين الطبيعية لا تنفصل عنا، وتدل على أن هناك صلة وثيقة بين الإنسان والطبيعة، فهي ملك لنا، ومعرفتها تمدنا بالقوة المعنوية إذا اتخذناها سبيلا للاتحاد بسائر الأشياء، وتضعفنا إذا استخدمناها في مقاومة أغراض الطبيعة في الحياة. إذ لو انصرف العلم إلى تسخير هذا العالم لخدمتنا، وبسط نفوذ الإنسان على كل ما يحيط به، ونصره على سائر العوائق التي تعرقل مكافحته للطبيعة، أو تحول دون استعباده لشعوب الأمم الأخرى، لفقد قيمته الحقيقية، وبعد عن غايته الصحيحة، وخضع لشهوات الإنسان الدنيئة التي تفسد الانتفاع بالعلم، وتدفع الإنسان إلى القوة والوحشية والجشع، فترتكب الجرائم، وتندلع الحروب، فيعم الخوف والهلع والقلق والاضطراب، أما إذا قصد بالعلم الاندماج في موجودات الكون، والاتحاد باللانهاية، والخضوع لإرادة الله، لتمردت روح الإنسان وأمحت حقيقتها في الحقيقة الكبرى، فتتمتع بالحب، وتنعم بالسرور والغبطة.
ثانياً: وما فهمه طاغور عن النفس من الكتب الهندوسية المقدسة، وكتب حكماء الهند، يشابه ما فهمه منها عن الإرادة فإن قال إن للنفس وجوداً مستقلاً عن الكون المتحد، فإنه يقول أيضاً إن للإرادة حرية السيادة على شئون عالمنا الصغير. وإذا ذكر أن استقلال النفس المطلق وهم باطل، وفي المظهر، وأنها جزء من أجزاء الوجود المتحد، وتسمو وجودها من الله، فإنه يذكر كذلك أن حرية الإرادة المطلقة وهم باطل، وفي المظهر، أنها لا تعمل إلا في حدود، وأنها جزء من إرادة اللامتناهي وملكا له.