لو كل بلد إسلامي قام بواجبه قيام المسلمين في مدينة بيروت ثغر الشام، لاضمحلت الأمية علة العلل في هذا المجتمع، ولزاد في بنيه عدد المتعلمين وأرباب الصنائع، وعلى تلك النسبة كانت تزيد الثروة والرخاء، ولنجا المسلمون من مشاكل كثيرة، وبرئوا مما يتهمهم به أعداؤهم من أن دينهم لا يفسح لهم مجالاُ للنور والثقافة
أسس المسلمون في بيروت في سنة ١٢٩٦هـ جمعية دعوها جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وعنيت مدة بتعليم النشء الجديد يومئذ ثم طرأت عليها طوارئ شلت حركتها، ومن أهمها أن الحكومة العثمانية ما كانت تحب استرسال المسلمين في سبل التعليم، على حين كانت تتغافل عن المسيحيين يتعلمون في مدارسهم الطائفية ومدارس المبشرين ما شاءوا وشاءت دول الاستعمار
ولما انتدبت فرنسا على الديار الشامية بعد الحرب العامة، كان أول ما فكر فيه المسلون إعادة جمعية المقاصد الخيرية الملغاة، خصوصاً وقد رأوا كلمة التبشير تقوى، فهبوا إلى التذرع لإحياء جمعيتهم في سنة ١٣٣٨هـ وأخذوا يجمعون أموالاً، واستوهبوا أرضاً عظيمة من الأوقاف أقاموا عليها مخازن وحوانيت ومقاهي، فكان لهم منها باخرة ريع لا يقل عن عشرة آلاف ليرة عثمانية ذهباً في السنة يدخرون نحو ثلثها مالاً احتياطياً، ولا يفتأون كل عام يجمعون مبلغاً تنتظم به مالية جمعيتهم
وجعل أولئك العاملون هدفهم الأسمى إنشاء مدارس لتربية البنين والبنات، وتثقيفهم بالثقافة الحديثة التي تنطبق على التعاليم الإسلامية، وإعدادهم ليكونوا عاملين منورين أقوياء في عقيدتهم الدينية والقومية؛ وزادوا في مناهج البنات على مناهج البنين - والعلوم النظرية واحدة في جميع مدارسهم - دروساً عملية في تدبير المنزل، تتناول الطبخ، والخياطة على اختلاف أنواعها، والأشغال اليدوية، والرسم، والموسيقى، وتربية الأطفال
أصبح لهذه الجمعية في مدينة بيروت سبع مدارس للذكور والإناث، منها مدرستان ثانويتان، إحداهما للصبيان والثانية للفتيات، أطلق على كل واحدة منهما اسم (كلية). وقد نجح تلاميذها في السنة الغابرة نجاحاً باهراً، وكان فيهم ثلث من نجحوا في الجمهورية