الخُرمية نسبة إلى خُرَّم بمعنى الفرح، وأصحابها يحللون كل ما يريدون ويشتهون، فيسمون مذهبهم مذهب الفرح. وقد أخطر لي الكلام على هؤلاء الخرميين الشيوعيين الذين قاموا بأذربيجان منذ أحد عشر قرناً - تلك الحوادث الجارية في ذلك الإقليم من شمال إيران المتاخم لروسيا. ولك أن تلاحظ صلاح تلك البيئة لنمو الأفكار الشيوعية فقد نشأت بها مذاهبها متجهة من الجنوب إلى الشمال: كانت المزدكية القديمة في بلاد فارس، ثم كانت الخرمية (موضوعنا) في شمال فارس ولعل الفكرة قد تابعت سيرها إلى الشمال حيث استقرت في روسيا في عصرنا الحاضر شيوعية مغربلة منخولة، نفي التنظيم الحديث منها كثيراً من العناصر الفوضوية القديمة، حتى أصبحت نظاماً من نظم الحياة في هذا العصر، له مبادئه وفلسفاته، وله أنصاره ومعارضوه. قامت الشيوعية الخرمية بتلك الأصقاع في عهد المأمون، واستطار شرها وعظم خطبها، وهب إعصارها على لحضارة الإسلامية في إبان ازدهارها، فحشدت لها الدولة العباسية قواتها وظلت تكافحها عشرين سنة، حتى أخمدت أنفاسها.
كانت الخرميةُ الميلاد الثاني للشيوعية في تلك البلاد، بعد مزدك الذي ظهر في عهد قباذ ملك الفرس، فدعا إلى المشاركة في كل شئ، بحيث لا يمنع أحد مما يشتهي، كما دعا إلى ترك المنازعات والخصومات والحروب. ومال قباذ إلى هذا المذهب، فلما ملك بعده ابنه أنوشروان قتل مزدك وقضى على الشيوعية الأولى. أما الخرميون فقد زادوا على المزدكية القديمة القتل والغصب والحروب، وكانوا - إلى تلك الإباحية - يدينون بالتناسخ، أي حلول الأرواح في أجساد أخرى غير التي فارقتها، وقد أدعى زعيمهم بابك الخرَّميّ أنه إله، حلت به روح كبيرهم الأول جاويدان
كان بابك في حياته الأولى راعياً صغيراً في قرية بأذربيجان، وقد زعمت أمه أنها نظرت إليه وهو نائم فرأت تحت كل شعرة من رأسه وصدره دما، فلما انتبه من نومه اختفى هذا الدم، فقالت إنه سيكون لابني نبأ جليل. .
اتصل بابك بجاويدان ملك الخرمية، فقر به إليه، لما رأى من فطنته وخبثه وشهامته. فلما