مات جاويدان استدعت امرأته بابك وقالت له: إنك جلد شهم، وقد مات ولم أرفع بذلك صوتي إلى أحد من أصحابه، فتهيأ لغد. . .
فلما أصبحت تجمع إليها جيش جاويدان، فقالوا: لمَ لمْ يدعنا ويوصي إلينا؟
قالت: ما منعه من ذلك إلا أنكم كنتم متفرقين في منازلكم من القرى، وأنه إن بعث إليكم وجمعكم انتشر خبره، فلا يأمن عليكم شِرَّةَ العرب، فعهد إليَّ بما أؤديه إليكم.
قال لي: أني أريد أن أموت في هذه الليلة، وإن روحي تخرج من بدني، وتدخل في بدن بابك، وتشترك مع روحه؛ وإنه سيبلغ بكم أمراً لم يبلغ أحد، وإنه يملك الأرض ويقتل الجبابرة، ويرد المزدكية، ويعز به ذليلكم، ويرتفع وضيعكم.
فآمن القوم ببابك، وتزوج امرأةُ جاويدان. ومن غريب ما جرى في الاحتفال بهذا الزواج أنهم أتوا ببقرة، فقتلوها، وسلخوها، وبسطوا جلدها، وجعلوا فوقه طستاً مملوءاً خمرا، ووضعوا خبزا حوالي الطست، فكان كل رجل يأتي يأخذ لقمة ويغمسها في الخمر ويأكلها ويقول: آمنت بك يا روح بابك، كما آمنت بروح جاويدان.
أخذ بابك ومن معه يعيثون في الأرض فسادا، وينشرون مذهبهم الإباحي. وبلغ المأمون خبره سنة ٢٠١ هـ الموافقة لسنة ٨١٦ م، فأهتم بأمره، وعزم على مطاردته، والقضاء على مذهبه، وتعاليمه الضارة بنظم الحياة والاجتماع، والمضادة لتعاليم الإسلام، والمنذرة لأركان الحضارة الإسلامية بالتصدع والانهيار. فوجه المأمون إلى بابك أربعة من قواده في أربعة حملات متعاقبة، فلم يستطيعوا التغلب عليه، لمكانه الحصين، وقوته الكبيرة، وشدة تأثيره في قلوب جمهوره. وأدركت المأمون منيته قبل أن يتمكن من القضاء على الخرمية الإباحية، فكان من وصيته لأخيه المعتصم أن كتب له:(والخرمية فاغزهم ذا حزامة وصرامة، واكنفه بالأموال والسلاح والجنود من الفرسان والرجالة، فإن طالت مدتهم فتجرد لهم بمن معك من أنصارك وأوليائك واعمل لذلك عمل مقدم النية فيه، راجيا ثواب الله عليه).
وفي أول عهد المعتصم استفحل أمر الخرمية في أذربيجان، ودخل فيه خلق كثير من أهل الجبال وهمذان وأصبهان وغيرها؛ ولكن المعتصم شمر عن ساعد الجد، وبذل جهده في الخلاص من هذا الشر، فاختار لحرب الخرمية قائداً من كبار قواده، هو المعروف