للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أسطورة جاهلية]

أساف ونائلة

حدث السادن (تيم) من (جرهم) يروي قصة (أساف) و (نائلة) للذين مسخا صنمين، فعبدتهما قبيلتا (قريش) و (خزاعة) ومن حج الكعبة من بعدهما، قال: كان (أساف بن يعلى) من أشراف (جرهم) ومن أشجع فرسانها، وكان مليح الوجه ظريفاً عظيم النفوذ بين العرب، وكانت (جرهم) تهابه أكثر مما تحبه، وقد أوتي حكمة الشعر والكهانة، وجمع إلى المال قوة العماليق، شيد له صرحا في اليمن كعش النسرن ولم يسكنه إلا بعد أن أخذ بثأر أبيه المقتول، ونحر على قبره، واحتفر للغنائم من حوله، حفراً ختمها بالحديد هذا الجبار الذي كان يتلهى بقتل عبيده في أوقات الفراغ، وقع أسر حب (نائلة بنت زيد) من (جرهم)، وكانت من أجمل نساء العرب، وأكثرهن ذكاء. تنشد الشعر، وتترك النار مشبوبة حول بيوتها للضيفان، وكان ربما خرج (أساف) للصيد والقنص، فصادف جواري يستقين، فينشدنه من أشعارها ما يطربه، وما كان (أساف) ليأنف أن يقف للناس في الأسواق وهو الزعيم القوي البأس لكي ينشدهم شعره في نائلة، فاشتهر عشق البطل لربة الجمال، وتغنت به الركبان في أرض اليمن وكان من عادة العرب، التفريق بين العاشقين، فكان طبيعياً أن يحرم العاشق لذة اللقاء، وأن يذوق حرارة البعد، ومرارة الفراق، وأن تفكر المعشوقة في خلها طول النهار، وطرفاً من الليل، وأن يتحين العاشقان فرصة اللقاء، ليرتشفا كأس الحب، فلما أقبلت نائلة من اليمن تحج البيت، كان أساف قد سبقها إليه، وكانت العرب تعظم الكعبة، وتبالغ في حبها والتبرك بها، وكانت تضع في جوفها أصنامها المعبودة.

والتقى أساف بنائلة حول ذلك البيت المقدس حاجين، وما كان أشد اشتياق البطل لمعشوقته، فطافا مراراً، ثم دخلا الكعبة يتبركان بأصنامها، فاتفق أن وجدا غفلة من الناس، وخلوة في البيت، فتقدم البطل إلى ربة الجمال، وأسلمت نفسها له في خفة، ورقة ولين، فضمها العاشق إلى نفسه، وتبادلا قبلات فيها شغف ولهفة، وفيها، وجد وجنين، وإذ ذاك صدرت في الحال همهمة مروعة، من أجواف الأوثان، أخرجت العاشق من لذة القبل، فغضب، وسب الأصنام ولعنها، فلما أصبح الحجاج وجدوهما صنمين على صورتهما من العقيق الأحمر، فعدت قريش مسخهما فضلاً من الآلهة ورحمة، واحتفلت خزاعة بهما، ونصبتهما

<<  <  ج:
ص:  >  >>