للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَضَع يَخْضع. . .

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

وقال صاحب سر (م) باشا فيما حدثني به: جاء ذات يوم قنصل (الدولة الفلانية) من هذه الدول الصغيرة التي لو علم الذباب في بلادها أن في مصر امتيازات أجنبية لطمعت كل ذبابة أن يكون لها في بلادنا اسم الطيارة الحربية. . . ورأيته قد دخل عليّ شامخاً باذخاً متجبراً كأنه قبل أن يجيء إلى هذا الديوان لمقابلة الحاكم المصري - قد تكلم في (التلفون) مع إسرافيل يأمره أن يكون مستعداً للنفخ في الصور. . .

جنى صعلوك من رعايا دولته على مصري فأُخذ كما يؤخذ أمثاله وقضى ساعة أو ساعتين بين أيدي المحققين يسألونه الأسئلة الهينة اللينة التي تحيط بتعريفه من ظاهره ولا يشبهها في سخافة المعنى إلا أن يسألوه عن ثيابه من أي مصنع هي في أوربا. . . فزعم القنصل أنه كان يجب أن يكون حاضراً يشهد التحقيق لأن جناية أجنبي على مصري تقع أجنبية. . . فلها شأن ورعاية وامتياز؛ وادعى أن المحققين ضايقوا المجرم وعاسروه وتجهموه بالكلام؛ ولهذا جاء يحتج.

ورأيته جلس متوقراً كأنما يشعر في نفسه أنه أثقل من مدفع ضخم لأن في نفسه وهم القوة، وخيل إلي أنه يرى موضعه بين السقف والأرض إذ يحمل في رأسه فكرة أنه الأعلى، وكانت له هيئة صريحة في أن الأجنبي المقيم هنا ليس هو كل الأجنبي، بل لا تزال منه بقية تتممها دولته؛ وفي الجملة كان الرجل كلمة واضحة مفسرة تنطق بأن للقانون المصري قانوناً يحكمه في بلاده.

وأنا قد درست القانون الدولي وعرفت ما هي الامتيازات وما أصلها، وهي لا تعدو كرم الأرنب التي زعموا أنها كانت تملك حماراً تركبه وترتفق به فسألتها أرنب أخرى أن تردفها خلفها، فلما اندفع بهما الحمار استوطأته فقالت لصاحبته: يا أختي ما أفره حمارك! ثم سكتت مدة وأعجبها الحمار فقالت يا أختي ما أفره حمارنا. . .

وكنا نحن الشرقيين من الضعف والغفلة بحيث لم نبلغ مبلغ الأرنب في حكمتها وتدبيرها فإنها أسرعت ودفعت صاحبتها وقالت لها: انزلي ويلك قبل أن تقولي: ما أفره حماري.

قال: غير أني في تلك الساعة نسيت القانون الدولي وكنت في إلهام مصريتي وحدها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>