للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أستنوق الجمل. . .]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

قال الشاب: لا قبل لي بهذا التعب المعنى الذي يسمونه (الزواج) فما هو إلا بيت ثقله على شيئين: على الأرض، وعلى نفسي، وامرأة همها في موضوعين: في دارها، وفي قلبي، وما هو إلا أطفال يلزموني عمل الأيدي الكثيرة من حيث لا أملك إلا يدين أثنتين، وأتحمل فيهم رهقا شديدا كأنما أبنيهم بأيامي، وأجمع هموم رؤوسهم كلها في رأس واحد هو رأسي أنا، يولد كل منهم بمعدة تهضم لتوها وساعتها، ثم لا شئ معها من يد أو رجل أو عقل ألا هو عاجز لا يستقل، متخاذل لا يطيق ولا يقدر.

قال: وإذا كان أول الزواج أي عسله وحلواه أنه امرأة تذهب عزوبتي - فأنا وأمثالي ما نزال في عسل وحلوى، ولكل وقت زواج، ولكل عصر أفكار، وما أسخف الليالي إذا هي ترادفت على ضرب واحد من أحلامها، فهذا يجعل النوم حكماً بالسجن عشر سنوات. . .!

قال: وإذا أردت أن تستكشف القصة فأعلم أننا نحن العزاب قوم كرجال الفن، رذيلهم فنية، وفضيلهم فنية، فتلك وهذه بسبيل، وكل شئ في الفن هو لموضعه منه لا من غيره، فإذا قلت: هذا خال من الفضيلة عار من الأدب، وعبت الفن لذلك - فما هو إلا كعيبك وجه المرأة الجميلة لأنه خال من لحية. .! هات الظلام سواده، فانه لون كالنور وإشراقه، لا بد من كليهما، إذ المعنى الفني في تناسب الأشياء لا في الأشياء ذاتها، ويد الفني كيد الغني، هذه لا يقع فيها الذهب إلا ليتعدد ثم يتعدد، وتلك لا تقع فيها المرأة إلا لتتعدد ثم تتعدد، وفي كل دينار قوة جديدة، وفي كل امرأة فن جديد.

قال: ومذهبنا في الحياة أن نستمع بها ضروبا وأفانين، من أطلق أنواعاً لم يقتصر على نوعين، ومن قدر على نوعين يرض الواحد، ولو أن زوجة كانت من أشعة الكواكب أو من قطرات الندى لثقل منها على حياتنا ما يثقل من الحديد والصوان، إذ هي لا تلد أشعة الكواكب ولا قطرات ندى، وحسب الجسد برأس واحد حملاً.

قال: ومن الذي تعرض عليه الحياة سلامها وتحياتها وأشواقها في مثل رسالة غرام ثم يدع هذا ويسألها غضبها وخصامها ولجاجتها في مثل قضية من قضايا المحاكم، كل ورقة فيها تلد ورقة. .!

<<  <  ج:
ص:  >  >>