أتيح لي منذ أيام أن أقرا الكتاب الذي ألفه وأصدره أخيراً صديقي الأستاذ محمد أمين حسونه واسماه (وراء البحار)؛ وفي هذا الكتاب رحلة المؤلف إلى اليونان وتركيا ورومانيا والنمسا والمجر، وقد عني بطبعه عناية فائقة فجاء مثالا بديعاً للذوق الرقيق.
وليست هذه هي المرة الأولى التي أتيح لي فيها أن أقرأ للأستاذ حسونه، فأنا أقرأ له منذ صدر حياتي الأدبية، وقد التقت أقلامنا على صفحات السياسة الأسبوعية في عام ١٩٢٩ وفي ذلك الحين أيضاً التقت صداقتنا؛ ولقد قرأت له كتابه الأول (أشبال الثورة)، وهي الرواية التي استهل بها أدبه القصصي، ثم قرأت له (الورد الأبيض)، وهي المجموعة القصصية التي جعلته في طليعة أدباء الشباب، ولعلني استطعت من خلال تلك القراءات كلها أن أتعرف على أسلوبه وأدبه، ومن أجل هذا كله كنت أود أن انصف الأستاذ حسونه أكثر مما أنصف نفسه هو فأقول بإن كتابه (وراء البحار) ليس في الواقع إلا قصة طويلة لحياة شاعر في خلال رحلة فنية إلى بلاد تاقت نفسه إليها. . . واستقرت عواطفه في أجمل بقاعها، فراح يصفها لا بلغة المسافر، ولكن بلغة الشاعر، فلم يذهب فيما ذهب إليه الذين سبقوه في وصف رحلاتهم، ولكنه انتحى لنفسه منحى غير الذي ألفه الناس فيما قرءوا. . فلم يحاول أن يكتب عما شغل غيره من كتاب الرحلات في الأوصاف التي يمكن للإنسان أن يجدها بسهولة في كتب السياحات، ولكنه ذهب إلى تلك البلاد حاملاً بين جنبيه تلك النفس الطامحة المضطرمة شباباً ونشاطاً، فتبدو في بعض الصفحات مشبوبة حارة ملتهبة تفيض خيالاً وعذوبة، والتي تغزوها الآلام والأحزان فتبدو في انقباضة القلق الحائر. وانه ليحلو لي أن اصف نفسية الكتاب، ولا أتناول فصوله فصلاً فصلاً تناول الذي يمسك مبضعه ليقيم نفسه جراحاً - أو جزاراً - على عمل أدبي، يحلو لي أن أصف نفسية الكتاب لأنني أعتقد باني قد ألفيت فيه وحدة فنية قائمة بذاتها، ترتكز على شخصية واحدة، هي شخصية المؤلف؛ وهذه الوحدة الفنية تجعلني أرى أن المؤلف إنما عمد إلى رحلته بدافع الاستمتاع الذهني والقلبي في وقت واحد، فوفق. ولم تذهب هذه الشخصية عنه في