أرأيت - يا سيدي - يوم أن زفت لنا البشرى السعيدة، يوم أن تقلدت منصب الوزارة؟ لقد وجفت - إذ ذاك - قلوب، واستبشرت قلوب.
وجفت قلوب لأنها تعلم في غير شك أن فيك قوة جبارة إن قالت فعلت، وأن فيك صلابة عاتية إن وعدت أنجزت، وأن فيك جرأة عارمة إن هامت انطلقت، وأن فيك بطولة صارمة إن انطلقت مرقت. فاستولى عليهم الرعب خيفة البطشة الكبرى، وعصف بهم الفزع خشية الرجفة العظمى.
ولكنك كنت طيب القلب سمح الخلق كريم السجايا رقيق العاطفة، فقذفت بالنقمة جانباً، فقربت نفراً منهم إلى نفسك، وحبوتهم بالخير، وأغدقت عليهم من الفضل؛ فاطمأنت النفوس وهدأت القلوب ونام الجزع؛ غير أن أياديك البيض لم تستطع أن تستل غلاً قديماً سرى في العروق، ولا أن تستلب ضعفاً دفيناً اختلط بالدم.
فلا عجب - يا سيدي - أن تكون - كدأبك أبداً - سماوياً في رأيك، علوياً في خواطرك؛ ولكن لا تجعل الأفعى تحس بالدفء في يوم قر.
وبذلت جهد الطاقة لتحل قضية المعلمين، واستنفذت غاية الوسع لتهدئ من روعهم؛ وأحسوا هم منك العطف فشكروا لك الجهد الضخم، وشعروا بالحنان فحمدوا لك الهمة العالية. ولكن فريقاً من الذين وجفت قلوبهم لدى البشرى السعيدة اتخذوا من فضلك دعاوة يروجون بها لأنفسهم ويبهرجون بها لأشخاصهم، ابتغاء لمنفعة شخصية أو طلباً لمصلحة خاصة. وأنت تعلم ما يضطرب في قلوبهم وتسمع ما تخفق به أرواحهم.
فلا عجب أن تكون معهم - كدأبك أبداً - سماوياً في رأيك، علوياً في خواطرك؛ ولكن لا تجعل الأفعى تحس بالدفء في يوم قر.
وطفرت بالعلم الطفرة العظمى، الطفرة الموفقة التي عجزت القرون الطوال عن أن تأتي بمثلها، ففتحت باب المدرسة للمقل وذي الحاجة بعد أن أوصده الصلف وأغلقته الكبرياء. فاهتزت الدنيا واستبشر الناس. ولكن الذين وجفت قلوبهم لدى البشرى العزيزة. . . الذين وجفت قلوبهم - يا سيدي!