بينما تتجه أنظار العالم إلى فنلندة بمناسبة الحرب الغاشمة التي تخوض غمارها في جرأة وهدوء، جرى حادث أدبي نبه الأذهان إلى آداب هذه الأمة الباسلة، فقد فاز الأديب الفنلندي سيلانبا بجائزة نوبل التي يطمح إلى نيلها كبار الأدباء وعظماؤهم لأنها ذات خطر عالمي.
وقد كان هذا الحادث الأخير مفاجأة لجمهور الأدباء والمتأدبين في العالمين القديم والجديد، لأن الفكرة التي كانت شائعة عن الفنلنديين تتركز في ولعهم بالألعاب الرياضية وتفوقهم فيها، إذا كانوا يشتركون في الألعاب الأولمبية التي تقام في شتى بلدان العالم فيفوز لاعبوهم بأكثر من بطولة.
وقد رأينا - لهذه المناسبة - أن نلم بالأدب الفنلندي لبيان تاريخه ومناحيه.
ينطبع الأدب الفنلندي بطبيعة البلاد التي نشأ فيها وبأخلاق سكانها. وفنلندا قائمة في الشمال الأقصى من أوربا، ذات غابات كثيفة وبحيرات عديدة، شتاؤها طويل، وصيفها نهار دائم. يسكنها شعب قاسي طول تاريخه أهوال البرد والجوع والحروب، فأكتسب مما قاساه صلابة وقوة، ومن طول الشتاء ميلاً إلى الخيال والأحلام. فلا عجب إذا اختلف في طبيعته عن الشعوب اللاتينية وعن الشعوب الجرمانية التي يمت إليها في أصله، وإذا ظهر أدبه في شكل يلائم أحواله وبيئته.
إنه يبحث في الأدب والفنون عن وسائل للتعبير عما يجول في نفسه تختلف عن وسائل الأمم الأخرى. وقد تظهر هذه الوسائل غريبة عجيبة، أو على الأقل غير منتظرة لشعوب تعودت دقة التعبير ووضوحه، وهما من مميزات شعوب البحر الأبيض المتوسط.
والأمم الغربية قد تأثرت بثقافة فكرية وفلسفية واحدة، غير أن المناحي الثقافية اضطرت أن تتأقلم وفاقاً لطبيعة كل إقليم، فظهرت في شكل يوافق كل بلد، وبدت كأنها تختلف عما هي في البلاد الأخرى.
لذلك نجد الأدب الفنلندي يعبر عن أخلاق سكان هذا الإقليم وما تتميز به من رجولة بارزة، وخيال واسع ذي ميول إلى الكآبة والحزن، وسذاجة القلب والطبع، كما يعبر عن طبيعة البلاد القاسية فيظهر في أسلوبه كأنه قبس مستمد منها، فضلاً عن عناية أدبائه بوصف هذه