رحم الله مصرباي! لقد قتلته أطماعه! وما اكثر ما تقتل الأطماع!
بهذه الكلمات نطق السلطان الغوري في جمع من الأمراء وأرباب الدولة، وذلك بعد اكثر من عامين من بدء سلطنته، وقد اجتمعوا إليه يوماً.
فقال له الاتابكي قيد الرجي: يا مولانا! لقد لقي جزاء تمرده. لقد كان معنا أخاً وصديقاً حميماً. ثم غزا الحسد قلبه فاحتله، فتداعى على أثره وده، وانهار صرح وفائه. وملكت الأطماع جماع نفسه. وصحبها الزهو والترف، مع الوثوق والغرور بقوته. فأنظمت أما عينيه معالم الحق، وأنبهمت آيات الصواب، فاصبح كالغابة العشواء تخبط على غير هدى، وتسير دون جدوى، ولم يتخذ لنفسه عبرة ممن سبقه من الأمراء الطامعين الطامحين الذين غامروا بأرواحهم في ميدان لوثته الحقود والأهواء، وأثارت حمية فرسانه نيران الحسد والبغضاء. فذهبوا طعاماً صالحاً لهذه النيران. وبقيت اللوثة تدمغ صفحات حياتهم وتشوهها.
فقال طراباى: انه معذور يا مولانا في طموحه هذا، الذي أورده موارد والتلف والبوار. . .! فإن مولانا اثر من الله عليه بسلطنته المباركة، خلع أول ما خلع، على مصرباي. ورقاه إلى رتبة الدوادارية الكبرى، ولم يكتف كرم مولانا بذلك، بل وكل إليه مع الدوادارية الوزارة والاستدارية، ثم مكن له في شؤون الدولة. . .
أنسى مولانا أننا حين لجأنا إلى بيع الأوقاف لنستعين بها على ملء الخزائن الشيرفة، لكي نحشو به الأفواه الفارغة،. . . لم نستطع. . . فعدلنا إلى اخذ ريع سنة كاملة منها، وإلى فرض أجرة عشرة شهور كاملة على أملاك القاهرة وسائر أنحاء البلاد، ثم خفضت بعد إلى سبعة شهور، بسبب ثورة المالكين ضدنا، ولولاي إذ أنهيت إلى أسماع المقام الشريف خبر