يقبل اليوم قراء (الرسالة) الغراء في أطراف العالم الإسلامي على شهر رمضان ويعانون فيه جهاد النفس بالصوم الذي هو من أركان الإسلام ودعائمه. فلنتحدث عنه وعما ترك في الأدب العربي من اثر. ولنستعرض ما قاله علماء الفسلجة والأطباء في أثر عموم الصوم في الجسم. فما أحرانا أن نشارك القراء الكرام فيما هم فيه من هالة نفسية فنخوض غمار البيئة الروحية التي يعيشون فيها؛ ولنواكب خطوات شهر رمضان في الأجيال الإسلامية وما قاله الأدباء فيه في شتى عصور الإسلام وما أثار في نفوس المتمردين على شريعته الأدبية وقيودها ولجمها، وما بعث فيهم من ثمرة عارمة على شهر تحرم فيه اللذات الجسمية وتحدد إذ ينجرف المجتمع الإسلامي في تيار سلسلة من العبادات حيث يتغلب التزمت والقار على الخلاعة والاستهتار؛ ثم لنتحدث عما تضمنه الصوم من التربية الإسلامية إذا روعي فيه تقوية الوازع النفسي وكف غارب الشهوات وتقييد الأهواء الجامحة إذ لا ريب أن تقيد المرء نفسه باتباع نظام معين واستطاعته في تنفيذ تصاميمه وتطبيق خططه لأمر فيه أسمه مظاهر الفضيلة، فليس أغلب الرذائل التي تهوي في حمأتها النفوس إلا نتيجة جموح فيها فلا يجد المرء في طاقته كفاءة لكبح ثورتها وإرجاعها إلى مأمنها فإذا تدرب المسلم في الصوم على إلجام النفس وردعها عن شهواتها فقد قطع شوطاً بعيداً نحو المثل العليا وحلق عالياً عن مهامي كثير من الجرائم التي يبعثها تسلط العاطفة على العقل وتغلب الشهوة المتمردة والرغبة الحمقاء. وقد سبق الإسلام إلى تشريع الصوم شرائع سماوية قويمة وذلك ما تقوله الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم).
قال الطبرسي الشيخ أبو الفضل بن الحسن من القرن السادس الهجري في تفسيره (مجمع البيان) في تفسير هذه الآية أي فرض عليكم العبادة والمعرفة في الشرع ككتابتها على من سبقكم وفيه أقوال أحدها أنه أشبه فرض صومنا بفرض صوم من تقدمنا من الأمم أي كتب عليكم صيام أيام كما كتب عليهم صيام أيام، فليس فيه تشبيه عدد الصوم المفروض علينا ولا وقته بعدد الصوم المفروض عليهم أو وقته، وهو اختيار أبي سلم والجبائي. وثانيهما