منذ عشرة أعوام عقدت معاهدة على جبل (أولمب) بين (أبولون) و (كوبيدون) تتعلق بي. ولا أعرف على وجه التفصيل نصوص تلك المعاهدة. فلقد كانت معاهدة سرية. ولكن يخيل إلى أن (آله الفن) أراد أن يعتبرني من (مناطق نفوذه)، فحرم على إله (الحب) أن يلقي سهما واحداً من قوسه الذهبي إلى هذه المنطقة. وقد تبين لي في مواقف كثيرة من حياتي أن إله (الحب) قد احترم حقاً هذه المعاهدة. وفي أحيان أُخرى رأيت كأن (كوبيدون) ينظر إلى (قلبي) نظرات ملؤها المطامع الاستعمارية، وأنه يتحين الفرص والظروف. وإله الفن، كما هو معلوم، ينادي دائماً بالحرية، إذ لا فن بغير حرية مكفولة في كل زمان. وإله الحب ينزع إلى السلطة والسيطرة والعنف التقييد بالسلاسل والأغلال. ولست أدري لماذا يذكرني هذا الصراع بينهما بالصراع القائم بين (إنجلترا) و (إيطاليا)؟ فإنجلترا بلد الديمقراطية والحرية، وإيطاليا رمز الدكتاتورية والسلطة المطلقة. ولقد وقع حديثاً نزاع بين الطرفين، فأغفلت المعاهدة وألقيت السهام، وأعلن الدكتاتور انه افتتح المنطقة (الحرام). فلم يعترف له منافسه بهذا الفتح. وسارت الأيام سيرها وأنا راض مطمئن اطمئنان (النجاشي) المسكين، إلى أن قرأت في البريد الأخير أن إنكلترا ستحمل العالم على الاعتراف بالفتح الإيطالي (للحبشة)، فوضعت يدي على (قلبي) وأدركت أن (الحرية) الجميلة ليست إلا حملاً ضعيفاً تنتظره دائماً أنياب الذئب، وأن (المعاهدات) ليست إلا (محطات) انتظار لساعات الوثوب.
توفيق الحكيم
صفحة من تاريخ
استيطان العرب لمصر
للدكتور حسن إبراهيم حسن
أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب
كان العرب في مصر جلهم من الجند المقاتلة وقت الفتح، ولم يزد عددهم على ستة عشر ألفاً في هذا الوقت. ولم تكن سياسة الخلفاء الراشدين تسمح بنزول الجند في ريف مصر