يكتب محمود تيمور لقصة منذ أكثر من عشر سنوات، ويوجه إليها كل عنايته وجهده وفنه. والذي قرأ مجموعة تيمور القصصية الأولى ثم يقرأ (الشيخ عفا الله) الكتاب الذي بين أيدينا الآن يرى مبلغ ما وصل إليه المؤلف من توفيق، ويرى أيضاً أنه يتطور ويخطو نحو الكمال الفني خطوات سريعة، وأنه كلما تقدم في السن أكسبته الحياة تجارب، وصقلت فنه وهذبت أسلوبه، ووسعت دائرة فكره، وفتقت ذهنه، وعمقت إحساسه، وجعلته دقيق الملاحظة بعيد النظر، حتى أصبح من نوابغ كتاب القصة القصيرة في مصر ومن الآخذين بيدها القابضين على زمامها الذين يوجهونها خير توجيه وأحسنه.
والذي يعرف تيمورا، وهو يقف من أبطال قصصه موقف الملاحظ المشاهد دائماً ولا ينزل إلى ميدان أبداً، قد يدهش عندما يراه يصور الطبقات الدنيا من الشعب، ويتغلغل في حياتها، وينفذ إلى أعماق نفوسهم ويتكلم بلسانهم ويصور أحلامهم وأمانيهم تصويراً دقيقاً فيه الكثير من الصدق. . على أن هذه الدهشة لا تلبث أن تنقلب إلى إعجاب وتقدير متى أدرك القارئ أن تيموراً وإن كان ينظر إلى هذه الطبقة من بعيد ولكنه يراها بعيني قلبه، ويحس بالعطف والشفقة والحنان على هؤلاء التعساء المساكين الذين يعيشون أبداً في الظلام مستسلمين صاغرين.
وتيمور قصصي واقعي يصور الحياة المصرية على بساطتها وسذاجتها أبدع تصوير، وقد يحيد بعض الأحيان عن الواقع ويميل إلى المغالاة في بسط الحوادث ليخلق المفاجأة ويرهف حس القارئ ويأسر لبه، على أن ذلك لا يكون إلا في سبيل فكرة سامية جليلة.