للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأول ما يسرك في هذا الكتاب أن صاحبه تمشى فيه مع كتاب القصة الحديثة في أوربا الذين خضعوا راغبين لعلم النفس، فبسطوا النظريات النفسية وحللوا الإنسان تحليلاً دقيقاً على ضوء هذا العلم الجليل الشأن العظيم الأثر، وعنوا عناية فائقة بالغرائز وخفايا اللاشعور، ووفقوا وبرعوا في سبر أغوار النفس البشرية والوصول إلى أعماقها. . وتصوير أدق خلجات الفؤاد، ورد كل ما يجيش في صدر الإنسان وعقله من عواطف وخواطر وانفعالات إلى أسبابه وبواعثه الحقيقية. لقد كشف هؤلاء العلماء الأفذاذ الإنسان البشري - بعد جهل طويل - وجردوه من لباسه المستعار وأبرزوه في ضوء النهار أمام هؤلاء المتزمتين العاجزين الذين يشوهون بنفاقهم حقائق الوجود.

والشيخ عفا الله أولى قصص الكتاب الإحدى عشرة هي أوضح صورة قوية على ما قدمنا، فيها الكثير من التحليل النفسي العميق. فهذا الرجل الذي يحب ويكبت الغريزة فيضطرب ويكاد يجن ثم يضعف أمامها ويتركها تسير في طريقها ويقوم منها على صوت ضميره القوي الملح عليه. . الذي يأخذ عليه دائماً السبيل ويبرز أمامه جرمه مجسماً على أبشع صورة هي قطعة حية من صميم الحياة وصميم النفس وصميم الواقع.

و (قصيدة غرام) هي وصف رائع لحياة طبيب شاعر عاشق فيها الكثير من الصدق والحرارة والإخلاص، وتعرف من خلال سطورها أن المؤلف كتبها بعناية وحرارة، وأنه أفرغ فيها كل فنه، ولولا أنه أقحم فيها مسألة الزواج إقحاماً وجرى في ذلك مع العرف والتفكير المصري الساذج ليوافق هوى القراء فحاد بذلك عن الفن وانحرف عن السبيل لكانت من أروع ما كتب تيمور عن الحب وصور. وفيها إحساس صادق يعرفه المسافرون الراحلون عن أوطانهم. . وليس ذلك لأن المؤلف قام بدور البطل نفسه، بل لأن المؤلف قام بهذه الرحلة - كما يبدو لي - ومن هنا يدرك القراء مبلغ الصدق في التصوير عندما يكون المؤلف جزءاً من البطل فكيف به إذا كان البطل كله؟

ثم قصة (الشيخ علوان) هذا الرجل الذي يضرب بتقاليد المجتمع وأوضاع الناس عرض الحائط ويعيش على هامش الحياة لا يتقيد بعرف ولا يخضع لنظام ولا يتورع عن التزوج بزوجات أخيه الثلاث. . . ولا يأنف من أن يفرض على الموسرين من الشبان ضريبة ليطعم وينعم ويعيش، كما يعيشون وينعمون ويلتذون!. . . لو رأيت الشيخ علواناً هذا في

<<  <  ج:
ص:  >  >>