وقبل أن نمضي في تحقيقنا نورد هنا مذهباً لنا سادساً، كنا على أن نجهر به قبل أن نتولى البحث بما يفرده العلم من حجج، أي أننا كنا نتحسس به، كما هو شأن أرباب المذاهب المتقدمة، دون حجة ولا بينة، ذلك إننا كنا نرى في (يا ليل) مجرد إرسال النغم، أو قل: تجسيده بألفاظ لا معنى لها، شأن موسيقى اليوم لدى إرسالها بالنغم: لي للي لي لم.
والبحث الذي نستقبله كفيل أن يعلم أن الكلمة تنتمي إلى أصل ذي معنى، ثم استعملت لهذا التجسيد.
نعم كثر ما جاء في الغناء من ألفاظ لا معنى لها، غير أن (يا ليل) ليست من قبيلها. ومن هذه الألفاظ:(على يا در يا در يا در يابو العبيسية)، ومنها (دلي يا دلي دلعونا)، ومنها (ما يستعمله العراقيون في مقام البنج كاه - كما يحدثنا الصديق الطبيب رجائي - في قولهم: (هي داد بداد هي جان دلي دلي داد).
فالكلمة إذن ذات معنى مجهول سيأتي كشفه كما كشف لنا الأب بخاش عن سر (الله يسوي دوص دوص ها بيباها) الترتيلة المستعلمة في أعراس حلب دون غيرها.
مذاهب أخرى:
وهناك مذاهب سمعناها من شتى المصادر لا تنتمي إلى شيء مما يحفل به العلم، وهي أن أصل (يا ليل) يا ويلي (وشفيعه أن الحزن من مستلزمات الغناء العربي، ولا يزال العلويون يغنون:
ويل ويلي بوطنجو ... علا جنبو قريبينه
أو أن أصلها يا لآلئ جمع لؤلؤ، كأنما ينادي أحبابه الجميلين المشبهين اللآلي. أو أن أصلها يا آلي أي يا أهلي. أو أن أصلها يا لي بالي أي يا من أنت لي. أنشدني زجال لبناني في دار الأستاذ الفيكونت دي طرازي: