ولا يفوتني بمناسبة الرد على هذا الدليل بشقيه - أن أوجه النظر بوجه عام إلى أن القرآن الكريم ليس مجرد مجموعة تشريع بل للمشرع الأعظم إلى جانب ذلك - كما قدمنا - أغراض ومقاصد أخرى يبلغها بأسلوبه الخاص مما لا يدخل مثله في نطاق مهمة المشرعين الوضعيين فحرام أن يحاول أحد إخضاع نهج القرآن الفذ لنهج هؤلاء المشرعين القائم على مجرد السرد الجاف لمواد مبوبة. فيقال مثلاً في مقام الاعتراض على المعاني والأغراض الواضحة من آية تعدد الزوجات؛ لماذا عبر بكذا ولم يعبر بعبارة (بسيطة موجزة)، ولماذا يعبر عن مدلول الآية في ضمن آية أخرى لها تعلق بموضوعها، أو لماذا عبر عن هذا المدلول في سياق غرض آخر لا أعلق له بموضوعه وجواباً لعبارة شرطية عن هذا الغرض، ويجعل مثل هذا التحكم في الأسلوب القرآني الرفيع أساساً للتأويل البعيد للنص صرفاً له عن معناه الصريح في حل التعدد؛ هذا المعنى الذي ظاهرته الأحاديث والأخبار وإجماع الأمة قاطبة قولاً وعملاً منذ عصر النبوة حتى الآن
٧ - أدلة العنصر الثاني: واستدل معاليه لرأيه في تفسير الآية الثانية بالدليلين الآتيين:
الدليل الأول - أن لفظ العدل وارد في هذه الآية والآية السابقة بحروفه فلا يمكن أن يكون معناه فيهما إلا واحداً على حقيقته الشاملة للماديات ثم المعنويات العاطفية جميعاً، وأن الآيتين متكاملتان أوجبت أولاهما الاقتصار على الواحدة وجوباً لا انفكاك منه.
والرد: أن هذا الدليل إنما يجري فيما يتكرر من (المعرف بأل) من الأسماء، فيكون المراد بالسابق واللاحق واحداً. وأساس هذه القاعدة اللغوية أن المعرف بأل إذا تكرر كانت (أل) فيه للعهد، فيدل على أن المراد بالاسم اللاحق عين المراد بالاسم السابق المعهود. والتعبير عن العدل لم يرد (اسماً) بل ورد (فعلاً) في الآيتين وأبان الشق الثاني من الآية الثانية وهو المبدوء بقوله تعالى (فلا تميلوا) أن المراد بالعدل في الآية الأولى هو العدل المستطاع وبه في الآية الثانية العدل المطلق على ما قررته في مقالي السابق وما سأزيده بيناً فيما يلي:
الدليل الثاني - أنه لو صح أن الشق الثاني من الآية الثانية مبين أن المراد بالعدل الذي