في الساعة العاشرة من صباح هذا اليوم تحتفل وزارة المعارف بانقضاء مائة عام على مولدها السعيد. ووزارة المعارف لا تزال ناشئة وإن أدركت المائة؛ ولعلها لم تبلغ الرشد إلا منذ أعوام قلائل، فإن القرن في عمر الأمة كالعقد في عمر الفرد، والشباب المهمل وإن طال بلاهة وغفلة - كان يومها الذي أبصرت فيه الوجود من الأيام الغر الوضاء في عهد الأمي العبقري الطموح محمد علي باشا. رأى بعينه الكلوء أن ما بالغرب من حضارة وعمارة وقوة إنما أساسه الجيش والعلم وأدرك بفؤاده اليقظ أن الجنود الألبانية لا تؤمن الخوف ولا تحقق المطامع، وأن الجامعة الأزهرية لا تعلم علوم الدنيا ولا تدرس فنون الحرب؛ وأكبر ما ترك نابليون بمصر من الآثار الصالحة على قصر احتلاله واضطراب حاله، فحصر هذا الرجل النظور همه وعزمه في إنشاء مصر الجديدة على الوضع الذي استقر عليه الزمان الحاضر والإنسان الحديث؛ فأقام المدارس للحرب وما يتصل بها من الطب والصيدلة والبيطرة والهندسة والكيمياء والعلوم والألسن؛ ثم ربط هذه المعاهد المختلفة الدرجات والغايات بإدارة واحدة سماها (ديوان المدارس) وجعل أعضاءه عشرة من المصريين الذي أوفدهم إلى أوربا، والأوربيين الذي أقدمهم إلى مصر، وجعل عليهم الأستاذ مختار الدويدار
كان من ذلك الديوان الصغير ذلك الصور الذي انبعثت على صوته مصر، والنسم الذي تنبهت من نفحته العروبة، والقبس الذي استضاء بنوره الشرق. وكان من الطبيعي يومئذ أن يكون التعليم للحكومة لا للشعب، وللبنين لا للبنات، وللمادة لا للأدب، فكانت الحركة الثقافية تتسع وتضيق تبعاً لحاجة الجيش والإدارة. فلما فترت الوثبة العلوية في عهد عباس وعهد سعيد زاد عرض هذه المصانع العلمية، على طلب الدواوين الرسمية، فوقفت البعوث، وأغلقت المدارس، وكانت ثلاثاً وستين مدرسة ابتدائية، ومدرستين تجهيزيتين، وإحدى عشرة مدرسة عالية، فلم يبق منها إلا ثلاث للحربية والطب والصيدلة
أما إسماعيل فكان رجلاً آخر، لم يكن سياسياً طامعاً كجده، ولا عسكرياً فاتحاً كأبيه، وإنما كان مدنياً باريسياً له ذوق، وبه ترفع، وفيه زهو، فجعل التعليم للتمدين والتثقيف، لا