للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فن البناء عند المصريين والإغريق]

بقلم محمد علوي

لا شك أن أهم مظاهر الحضارة الفرعونية هو فن العمارة.

ولما كان للدين عند الفراعنة المنزلة العليا نجد أن درجة اهتمامهم به ظهرت جلية في معابدهم، وهي أهم ناحية ضرب فيها الفنان المصري بسهم. ولم تكن مصر هي البلد الوحيد الذي اهتم بأمر المعابد، فقد تبعها في ذلك الإغريق أيضاً، وكفاهم فخراً معهد (البارثينون) في (الاكروبوليس) بأثينا، فلقد كان هذا المعبد ولا يزال آية في الجمال، أجمع جميع الفنانين على أنه - لا يوجد له في العالم مثيل. فقد راعى فيه بانيه خداع النظر في الأجسام المنظورة فتلافاه بكل الوسائل، فكان معبده أشبه ببلورة طبيعية جميلة. ومع كل ذلك فإن الفنان المصري قد سبق زميله الإغريقي في تصميم معبد؛ فانك إذا وقفت أمام المعبد الإغريقي لاشك تشعر برهبة وذهول. ولكن هذه الرهبة ليست إلا نتيجة لقوة الجمال وحسن التنسيق، أو بمعنى أقرب إن تأثير هذا المعبد كتأثير حسناء كملت فيها معاني الجمال. فكأنما فن البناء الإغريقي أراد أن يأسر لب المتعبدين بسلطان الجمال. ولكن ليس هذا هو الغرض الذي من أجله كلف بتصميم المعبد، وفي رأيي أن هذا خروج عن الموضوع الديني، ولو أنه خروج لم يخل بقيمة المعبد من حيث جماله.

أما المعبد الفرعوني فهو يشعر بالهيبة والعظمة فالخضوع والرهبة، ولكن هذا الخضوع ناشئ عن الشعور بالضعف أمام القوة والرهبة الدينية، وهذا ما أحسه أنا الآن وأنا بعيد عن البيئة التي كانت تحيط بالمعبد في حداثته، وبعيد عن العقيدة الدينية التي كانت تتملك شعور أسلافنا.

إن الفنان المصري كان أعظم مما نقدره به وأوسع خيالاً، فنراه قد راعى في معبده صلاحيته للعبادة من جميع النواحي، فجعله لا يصلح إلا للعبادة، بل والعبادة لا تصلح أن تقام إلا بين جدرانه. فتصميم المعبد واختيار موقعه في مكان بعيد عن الحياة المادية الدنيوية، والبيئة الدينية التي أحاط بها الفنان البارع معبده، كل هذا يفصل المتعبد عن العالم المادي فيحصر ذهنه في دائرة روحانية بحتة.

لست أريد أن أحكم على مقدرة هذا المهندس البارع، بل سأوضح عمله، وأترك لكم الحكم

<<  <  ج:
ص:  >  >>