كتب الأستاذ محمد مندور تعقيباً، على كلمتي المنشورة بالعدد ٤٨٦ من الرسالة، فراعني ما في تعقيبه من انحراف عن جادة الحق؛ ووقع في نفسي أن أبين له ما انساق إليه من تعسف واجتلاب للنقد. فقد التجأ الكاتب إلى أساليب ملتوية معقدة، يبرر بها نفسه، وينفي عنه الخطأ، كأنما عز عليه أن يسلم بخطاه؛ وهو لو أنصف لعلم أن ليس مما يحط من قدره أن يخطئ، وإنما يحط منه أن يصر على خطأه ويكابر فيه. ولا ريب أن الأستاذ يعرف المثل اللاتيني القائل: إن من طبيعة الإنسان أن يخطئ: والخطأ كثيراً ما يكون طريق الصواب كما يقول ليبنتز
بيد أن الأستاذ مندور - وقد أغرم بالسوفسطائية - شاء ألا ينهج نهج الميغاريين الذين نزعوا منزع السوفسطائيين، فكانوا في جدلهم لا يرمون إلى معرفة الحق والتوصل إليه، وإنما يهتم الواحد منهم بشيء واحد فقط؛ هو أن يجمل خصمه ينقطع. ومن أجل هذا رأيناه يتصدى للرد على كل معترض عليه، ولا يتوخى الحق في هذا الرد، وإنما يهتم بأن ينفي عنه الخطأ، مهما كان في ذلك من التجني على الحق!
لقد قلنا له أن قوله (عثرت به) بمعنى ملاقاته اتفاقاً، ليس تعبيراً عربياً صحيحاً، إذ الصواب أن يقال:(عثرت عليه). فعاد الأستاذ يقول:(فأما عن (عثرت به) فقد قلت أن المعنى الذي أريد التعبير عنه هو العثور بالشيء أي ملاقاته اتفاقاً، ولم أرد (العثور عليه) أي الاطلاع الذي يدل على علم ومعرفة وبحث وجهبذة لا أدعيها). ولو إنه كلف نفسه عناء البحث في المعاجم اللغوية، لما اضطرنا إلى العودة إلى هذا الموضوع مرة أخرى. . . ولكنه يطلق أحكامه إطلاقاً، ولا يستقصي المصادر ليتحقق مما يقول، بل يكتفي بأن يقول في جرأة غريبة:(والذي يدهشني هو تفضل هؤلاء العلماء بلفت نظري إلى مختار الصحاح ودوائر المعارف وتراكيب اللغة الإنجليزية، وهذه كلها مراجع ما كنت أحلم بوجودها). فنحن لم نرتجل أحكامنا ارتجالاً، ولم نطلق أقوالنا اعتباطاً، بل استقصينا المراجع استقصاء شاملاً، ثم أعلنا من بعد نتيجة بحثنا واستقصائنا. وإذا كنا قد أشفقنا على الأستاذ مندور، فكفيناه مؤونة البحث، وعرضنا عليه النتيجة التي توصلنا إليها دون أن