كتاب يساير الجيل بعد الجيل، يمضي قدماً مع الفكر في تطوره، والعقل في تدبره، والقلب في يقظته. تقرأ فيه صور التوثب في شبابك، وسورة الترصّن في كهولتك، وآية التوطد والاستقرار في شيخوختك. تلمح فيه الدقيق من رسوم الحياة مجسمة في سطور تعبر كل كلمة وجملة وعبارة فيها عن معنى جديد من معاني الحياة دائمة التجدد. إنما هو كتاب خالد، قد يصلح على كر السنين، لزمنك، ولمن يأتي بعد زمنك
هذا الكتاب هو (الغربال) ومؤلفه هو الأستاذ ميخائيل نعيمة. . .
من خلائق مؤلف كتاب (الغربال) صفاء في الذهن، كما يقول الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد، واستقامة في النقد، وغيرة على الإصلاح، وفهم لوظيفة الأدب، وقبس من فلسفة، ولذعة من التهكم).
لم يغال الأستاذ العقاد في وصف مزايا المؤلف الأدبية، ولم يفتعل له من الخلائق ما ليس فيه.
إن نظرة فاحصة تلقى على فصول الكتاب تكفي لإقامة البرهان وإنهاض الدليل، على أن الأستاذ العقاد لم يداهن مؤلف (الغربال) ولم يرائه كما يرائي ويمالق أكثر أدباء هذا العصر خصوصاً من يدعون أنهم من النقاد المتجردين عن الأهواء والأغراض. كما أنها تشير بوضوح إلى اتجاهات المؤلف وإلى الهدف الذي صوب إليه سهمه والغاية التي رمى إليها وأنه كان لا محيص البتة لصاحب نفس كبيرة مثله، يعرف الحب والتمرد، والحرية، عن صرخة مدوية يصرخها في وقت كثر فيه لغط الرجعيين المتحجرين من الكتّاب المحافظين في مستهل هذا القرن واشتد نقيق الضفادع، أعني الكتاب الذين أخذوا يهرفون بالتجديد العصري، والحديث المبتكر.
صدر كتاب (الغربال) إثر صدور (الديوان) لمؤلفيه الأستاذين عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني، وانفجرت فوهة بركان (الديوان) تقذف الحمم عقب صدور (منهل الوارد في علم الانتقاد) لمؤلفه المرحوم قسطاكي بك الحمص، لذلك رأيت أن أقول كلمة