للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أقصوصة عراقية:]

بداي الفايز

للأستاذ محمود. أ. السيد

- ١ -

كان اليوم العاشر من شهر مايو. . .

كان الفرات فائضاً توشك أمواهه الطاغية أن تجرف السدود المقامة على ضفتيه. وكان الفلاحون من أبناء القبائل المختلفة، في منطقة خضراء بين ذي الكفل والكوفة - كأمثالهم في مناطق الفرات الأخرى - ساهرين عليها، مقيمين حولها ليلاً ونهاراً وجلين، يخيفهم الخطر الجاثم حيالهم منذ شهر، وقد أشتد بعد أن كان ضعيفاً مبهماً

وكان الصبح. . .

وكان النسيم يهب بليلاً فينعش هؤلاء المساكين، ويحيي فيهم عنصر النشاط الذي كانوا في أشد الحاجة إليه؛ فقد أنهكهم النصب، وآذاهم الجهد الذي بذلوا مذ طغى الماء، وهم يصارعونه ليحولوا بينه وبين زرعهم - مع أنه جزء قليل من زرع الرؤساء المالكين - وماشيتهم؛ وهما لهم قوام الحياة

وكانت سنابل القمح المنتشرة المتكاثفة في الحقول على مقربة من بيوتهم - وهي من القصب البالي والحصر وجريد النخل - ومن النهر، مصفرة ناضجة تبهج الناظرين. وكان وقت حصادها جد قريب

وحان الضحى؛ فحانت ساعة العمل لتقوية السدود وتمكينها فانتشرت جموعهم كالنمل تحمل إلى المواقع الواهنة منها التراب من أطرافها، ثم تعود لتحمل إليها التراب كذلك والحطب والقصب والحصر والعَمدَ والحبال وما إليها؛ ثم تعود مرة أخرى، فأخرى، يسوقها المهندسون والرؤساء المالكون في غير ما لين ولا إمهال

وحان الظهر؛ فاستراحوا قليلاً ثم عادوا يعملون

وتغير الطقس، آنئذ، تغيراً مفاجئاً - ومثل هذا التغير مألوف ومعتاد في العراق - فحجبت وجهِ الشمس عاصفةٌ شديدة أثارت الموج في النهر، وعظم بها الخطر، لأن السدود قد كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>