في شهر يناير الماضي بلغت الأكاديمية الفرنسية ثلثمائة عام من عمرها، وهي تتأهب للاحتفاء بهذه الذكرى؛ وهي ذكرى نادرة في تاريخ الجمعيات العلمية، إذ قلما تبلغ الجمعيات العلمية مثل هذا العمر المديد، قوية مزدهرة، تغالب دائماً أعاصير السياسة والأهواء المختلفة، وقد بدأت الأكاديمية الفرنسية حياتها متواضعة جداً؛ ويمكن أن نرجع فكرة قيامها إلى سنة ١٦٢٩ في عهد لويس الثالث عشر، ففي ذلك العام اتفق السيد فالنتان كونراد سكرتير الملك مع بضعة من أصدقائه الشعراء والأدباء على الاجتماع معاً في جلسات دورية منتظمة يتجاذبون فيها الأحاديث الأدبية، ويتحدثون عن الشئون والأخبار والكتب، وكانت هذه الاجتماعات سرية خاصة في المبدأ، واستمرت كذلك زهاء خمسة أعوام؛ وفي أوائل سنة ١٦٣٤ وقف الكردينال ريشيليو وزير لويس الثالث عشر على خبر هذه الجماعة الأدبية من أحد أعضائها فجالت في الحال في ذهنه فكرة (الأكاديمية) الرسمية. ولم يكن أحد من الجماعة المتواضعة يفكر يومئذ في مثل هذا المشروع؛ وكانت فكرة ريشيليو أن ينظم الجماعة وأن يخضعها لأشراف السلطات الرسمية؛ فدعاها إلى أن تؤلف هيئة منظمة وأن تجتمع بانتظام تحت رعاية سلطة رسمية، وذلك مقابل تعهدها بالحماية وإعطائها سلطة محترمة. فترددت الجماعة في القبول باديء بدء خشية على استقلالها، واستمر هذا التردد طوال سنة ١٦٣٤، ثم انتهت بالقبول؛ وفي ٢٩ يناير سنة ١٦٣٥ صدرت الأوامر الرسمية بتشكيل الأكاديمية الفرنسية، وبذلك تكون في ٢٩ يناير الماضي قد قطعت ثلاثة قرون كالمة من حياتها الرسمية
وعلى أثر ذلك وضعت الأكاديمية لنفسها لائحة خاصة تتألف من خمسين مادة؛ وقبل الكردينال أن بعضها تحت رعايته، وصادق على هذه اللائحة في ٢٢ فبراير؛ من نفس العام؛ ثم اتخذت بعد ذلك الاجراءات لمصادقة البرلمان على وجودها، وصدرت هذه المصادقة في يوليه سنة ١٦٣٧، وتمت بذلك جميع الاجراءات الرسمية والدستورية التي تجعلها هيئة رسمية عامة؛ وعني البرلمان عناية خاصة بأن يحدد مهمة هذه الهيئة الوليدة خشية أن تنافسه في شيء من مهامه أو سلطانه في المستقبل، فعرف مهمتها بأنها تعمل