كانت كلمتك يا سيدي عن هؤلاء الجنود المجهولين، نفحة من نفحاتك المباركة، ونظرة من نظراتك الصادقة، أنصفت بها هؤلاء المظلومين المكدودين، وذكرتهم حين لم يذكرهم ذاكر، وقلت فيهم قالة الحق في وقت بخلت عليهم فيه الوزارة بما يسد الرمق، وحرمهم الناس حتى من كلمة طيبة ونظرة رحيمة!.
وأشهد لقد وجدوا في كلامك عنهم ورأيك فيهم أحسن العزاء؛ وإن لهم فيه لغنية إذا بخلت الوزارة بالجزاء. وقد يجد المظلوم برد الراحة في كلام من يرثي له أو يعطف عليه.
وأشد ما أدهشني من كلمتك أنها كانت على إيجازها أصدق وأوفى ما كتب في هذا الموضوع منذ عرفته البلاد إلى اليوم؛ فصورت العيوب والعلل، وفرقت بين الجوهر والعرض، ووازنت بين الماهية والكيفية، وحددت المسؤولية ووضعتها في موضعها؛ وعرفت من أمر هذا النوع من التعليم ما لم يعرفه القائمون بأمره، ولو عرفوا بعض ما عرفت لوجدوا إلى الصواب رسولاً، ولاتخذوا مع هذا الرسول سبيلاً. . .
ومن ألطف ما رأيته أني مررت بمعلم يقرأ على بعض إخوانه ما كتبته (الرسالة) عنهم؛ ولم يكن يقرأ من المجلة، وإنما كان يقرأ من ذاكرته، إذ كان قد حفظ المقال من شدة كلفه به؛ وما انتهى من القراءة حتى انصرف إلى إخوانه يقول لهم: والله لو لم أكن معلماً إلزامياً لوددت أن أكون ذلك المعلم اليوم! ولو لم أكن مظلوماً لتمنيت أن أكون مظلوماً، لأن ما كتبه صاحب الرسالة أشهى عندي وأحب إلي من أن تنصفني الوزارة أو ينصفني الناس. وإن من الخير لي أن أكون مع هؤلاء المجهولين الذين ذكرتهم الرسالة بالخير، من أن أكون مع المترفين المجدودين الذين غمرتهم الحكومة بالمال. . .
إنك يا سيدي لم تدع لأحد بعد مقالك أن يقول شيئاً؛ ولكني أحب أن أؤيد ما ذكرته عن هؤلاء الجنود المكافحين، بما يدل على أنك كنت ملهماً تستشف الحقائق من وراء أستار الغيب!!
فمن ذلك أن أولياء الأمر أسرفوا في غبن هؤلاء المعلمين فخفضوا من مرتبهم جنيهاً كاملاً،