وأصبح المعلم الجديد يتقاضى ثلاثة جنيهات بدلاً من أربعة؛ ثم جعلوا العلاوة الدورية نصف جنيه كل ثلاث سنوات. وزعمت الوزارة بهذا أنها استجابت لرغباتهم وحسَّنت حالهم ووضعت لهم نظاماً للعلاوات: مع أن الجنيه الذي استقطع من رواتبهم الضئيلة أصبح لا ينال إلا بعد قضاء ست سنوات في الكفاح والشقاء. . .
وأنا أعرف معلمين قضوا في خدمة هذا التعليم أكثر من خمسة عشر عاماً، ورافقوه وهو طفل في مهده وما تزال مرتباتهم أقل من خمسة جنيهات. وكان هؤلاء لا يعولون إلا أنفسهم؛ ولكنهم أصبحوا بعد هذه المدة الطويلة في عائلات يزيد أفراد كل منها على العشرة
أقول هذا وأنا أعلم أن في رجال التعليم الأولي من يبلغ مرتبه عشرة جنيهات وخمسة عشرة وتسعة عشر، وعلة ذلك لا ترجع إلى تفاوت في الكفاية أو زيادة في العمل أو امتياز بالأقدمية؛ وإنما ترجع إلى ارتباك نظام التعليم الأولي وتعدد أنواعه ومدارسه وبرامجه ونظمه. فهناك مدارس أولية تابعة للوزارة، وأخرى تابعة لسكة الحديد، وثالثة تابعة لمجالس المديريات؛ ثم هناك شيء اسمه التعليم الأولي الراقي، والتعليم الأولي القديم، ومشروع التعليم الأولي، ثم التعليم الإلزامي، ومع أن الجميع يعلمون الأطفال ولا يزيد بعضهم على بعض شيئاً في العمل، فإن مرتباتهم تختلف كل الاختلاف حسب أسماء المدارس التي يعملون فيها. وقد أجازت الوزارة أخيراً أن ينتقل المعلمون من مدارسهم إلى المدارس الأخرى التي ليست من درجتها ولا من نوعها، واحتفظت لكل معلم بمرتبه ودرجته؛ وبذلك أصبح في المدرسة الواحدة من يتقاضى أربعة جنيهات ومن يتقاضى ثمانية. وقد يكون الأول أقدم من الثاني، كما قد يزيد مرتب المعلم على مرتب الرئيس.
ومن غريب الأمور أن الوزارة قد أسرفت في التجني على رجال التعليم الإلزامي، فأصدرت منشوراً عاماً استبدلت فيه اسم المكاتب بالمدارس، وحرمت فيه على كل معلم أن يزعم لنفسه أنه مدرس في مدرسة، وإنما يجب أن يكون معلماً في مكتب عام. والمفهوم من هذا أنها استكثرت على هؤلاء البؤساء حتى الأسماء وتعمدت تحقيرهم، بينما هي أسلمت إليهم فلذات أكباد الأمة لإعداد الجيل الجديد منها.
أما قبل تنفيذ قانون الإلزام، فقد شقي المعلمون بمحنة لم يسمع بمثلها الناس، وهي أن المعلمين الإلزاميين كانوا يكلفون بالمرور على بيوت الفلاحين وحقولهم في القرى،