عرّف المتصوفة الإنسان الكامل بقولهم: هو الإنسان الجامع لجميع العوالم الإلهية والكونية الكلية والجزئية، وهو كتاب جامع للكتب الإلهية والكونية؛ فمن حيث روحه كتاب عقلي مسمى بأم الكتاب، ومن حيث قلبه كتاب اللوح المحفوظ، ومن حيث نفسه كتاب المحو والإثبات؛ فهو الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة التي لا يمسها ولا يدرك أسرارها إلا المطهرون من الحجب الظلمانية. فنسبة العقل الأول إلى العالم الكبير وحقائقه بعينها نسبة الروح الإنساني إلى البدن وقواه. وإن النفس الكلية قلب العالم الكبير، كما أن النفس الناطقة قلب الإنسان؛ ولذلك يسمى العالم بالإنسان الكبير.
ويكاد يكون الإنسان الكامل نفس (الإنسان الأول) لدى أرسطو، أو (الحكيم) لدى أفلاطون، أو (الإنسان الفاضل) لدى الفارابي، أو (الإنسان المطلق) لدى جماعة إخوان الصفاء في البصرة؛ وتكاد الفكرة تكون نفس الفكرة (الإنسان الذي لا إنسان فوقه) ? لدى هارينريش مولر من رجال أواخر القرن السابع عشر مبتدع هذه اللفظة لأول مرة والشاعر الشهير جوته، والفيلسوف نيتشه أو فكرة السوبرمان في اللغة الإنكليزية مع اختلاف بسيط سببه وجهة النظر والتفكير.
وفكرة الإنسان الكامل من الأفكار التي ترد على لسان المتصوفة كثيراً. وقد استعملها المتصوف الشهير محيي الدين بن العربي المتوفى سنة (٦٣٨هـ - ١٢٤٠م) وعلى الأخص في كتبه ومؤلفاته. وتكاد الفكرة تكون محور تعاليمه والنقطة التي تدور حولها أبحاثه التصوفية. وابن العربي هذا من الشخصيات الإسلامية العظيمة التي تنتمي إلى أرومة عربية عريقة في القدم. شخصية أثرت في الحياة الروحية الإسلامية تأثيراً عظيماً ولا سيما في الحياة العقلية للأتراك والفرس. وتتصل آراء هذا الصوفي بعضها ببعض بصورة متسقة منتظمة اتصال الحلقة أو السلسلة على غموض بعض أفكاره وعويص معانيه، وذلك أمر يقتضيه التصوف ذاته والموضوع الذي يدور حول البحث. والظاهر أنه استمد آراءه في الإنسان الكامل كما استمد ذلك سائر المتصوفة من الصورة التي رسمها مثاليو المسلمين للنبي الكريم، إذ نرى الصورة التي تصورها المتصوفة للإنسان الكامل