حديث الانتخابات المقبلة أهم ما يشغل الصحف في هذه الأيام وقد أمسكت بإحداها وغرقت ساعة في أنهارها وجداولها المملوءة بأحاديث الوزراء ورجال السياسية وتعليقات المحرر، تعديل الدوائر وفتحها وإغلاقها وما إلى ذلك. ثم ألقيت الصحيفة جانباً ورحتُ أفكر في الموضوع على نحو آخر، قلت في نفسي: لا شك أن تمثيل الأمة في البرلمان يتطور من حيث المستوى الفكري لنوابها وشيوخها، تبعاً لتطور الأمة نفسها لانتشار التعليم وازدياد المتعلمين، أن عهد (النمر) الذي بدأت به الحياة النيابية في مصر آخذ في الانقراض شيئاً فشيئاً، و (الموافقون) على ما لا يعرفون ما يوافقون عليه ويوشكون أن يتركوا أماكنهم للعناصر الجديدة. ثم قفز إلى ذهني خاطر آخر، فقلت في نفسي أيضاً: هل أقترب التطور من الحال التي يمكن فيها أن يشتمل البرلمان على الصفوة من رجال الأدب والفكر في مصر؟ ولكن كيف السبيل؟ هل يخوضون معامع الانتخابات؟. وهنا جعلت أتصور بعض هؤلاء الأعلام وقد رشحوا أنفسهم للانتخاب. . .
الدكتور طه حسين خطيب يسحر الجماهير ولكنها ليست جماهير الانتخاب، وهو لا يستطيع أن يجلس إلى أهل الدائرة إذا ارتفع الضحى وإذا أقبل المساء، يسمع منهم ولا يسمعون منه، فيضيق به وقد يضيقون به، حتى إذا بلغ الأمر ما اعتاد أن يبلغ كل عام في أوائل الصيف، ولم يعد في وسعه أحتمال الحر والشر والنكر، فر إلى باريس. . .
والأستاذ توفيق الحكيم لا يستطيع مخالفة حماره الذي هو مصر على مقاطعة الانتخابات ومجانبة (التمرغ) في أحوالها، وقد خبرها أيام كان صاحبه نائباً في الأرياف، فاصبح فيها من الزاهدين.
والأستاذ المازني إذا طاف بالدائرة فسيرغب عن سماع القصائد التي ينظمها أنصاره والداعون له، فقد أنكر شعره فهل يسمع شعر هؤلاء؟ وقد لا يجد له جلداً على قصيدة من الشعر الوسط فلا يصبر عليها ولو أدى ذلك إلى ضياع (تأمين) الانتخابات. . . وسيشعر بضيق وقته عن هذا العناء والعبث فيهرب إلى حين يكتب المقالات المطلوبة للصحف