إلى أولئك النفر القليل ممن جادت بهم الحياة ووهبتهم النبوغ والعبقرية الذين أبوا العيش إلا من قوة أيديهم وعرق جباهم نقدم هذا الحديث.
قبل الشروع في الحديث أود أن أبين السبب الذي دعاني إلى جمع ما تناثر من أخبار هؤلاء الأدباء ولم شعثهم في مدرج هذا الحديث. هي أمنية طالما اعتلجت بها النفس، واختلج بها القلب، أن أهدى ما ضل من تلك العقول الآسنة التي تجعل الأدب وقفا على الطبقة الممتازة وعلى البطالين من ممتهني الأدب الأفاقين الذين يأبون النزول إلى ميدان العمل بدعوى أن العمل لا يتفق وكرامة الأديب، وأن الأدب والعمل على طرفي نقيض. وهذا القرآن بصريح بيانه يقول (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم). وأن ليس للانسان إلا ما سعى). وفضلنا المجاهدين على القاعدين درجات). وفضلنا المجاهدين على القاعدين درجات). والقرآن ملئ بفضل العمل وشرف العامل وذم البطالة والبطالين. ومتى كان أديب التسول والاستجداء أرفع من الأديب المهني. ومتى كانت المهنة ضعة وحطة لممتهنها؟ وقد جاء في الحديث الشريف (إن الله يعطي العبد على قدر همته وفهمته)(اعملوا فكل مسير لما خلق له)(اعقل وتوكل)(أشد الناس عذابا يوم القيامة المكفي الفارغ)(أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)(إذا قصر العبد في العمل ابتلاه الله بالهم)(أخشى ما خشيت على أمتي كبر البطن ومداومة النوم والكسل) مضافا إلى هذا وذاك وزيادة في الإيضاح نورد بعض ما ورد من حكم في هذا الباب.
قالت الحكماء.
(كلب طواف خير من أسد رابض)(البطالة تقسي القلب)(أطلب تظفر)(من عجز عن زاده اتكل على زاد غيره)(من العجز نتجت الفاقة)(الدعة ذل)(لا يفترس الليث الظبي وهو رابض).
وجاء في الشعر العربي قديما في تأييد ما ذهبنا إليه!