لنكاد نلمس اليوم في مظاهر الحركة الإصلاحية القائمة في ديار الإسلام وأمة القرآن الكريم - اتجاها جديدا يغتبط به كل مسلم يستشعر في نفسه الأيمان الحق، ومظهرا مباركا يرتاح إليه كل موحد يحمل في صدره عاطفة الخير الصريح، وإننا - إلى اغتباطنا بهذا الاتجاه - لنزداد طمأنينة إليه إذ نتلمس بين عوامله وأسبابه عامل النضج الفكري وفهم الحقائق المستوحاة من ملابسات الحياة وروحية الدين الإسلامي الحنيف. وإننا لنذهب في طمأنينتنا واغتباطنا هذين مذهباً أبعد مدى، إذ نشهد بين العاملين على هذا الاتجاه طائفة رجال الدين التي يرى كثير من المشتغلين في هذا الحقل إنها السبب الأول في إخفاق الحركات الإصلاحية التي نشأت في الأعوام المتأخرة لتوحيد كلمة الأمة الإسلامية وجمع رأيها الشتيت ورتق ما فتق التاريخ من مجدها السني وعزها الرفيع.
وفي الحق أن طائفة رجال الدين هذه كانت في عصور التاريخ الإسلامي الأولى هي العنصر الصحيح الذي عمل للإسلام أكثر مما عملته العناصر الأخرى، إذ بينما كانت هذه العناصر تحمل المعاول لهدم صروح الوحدة الإسلامية الشامخة - كان علماء الدين يجلسون إلى القرآن والحديث الشريفين يستوحونهما حقائق الدين؛ ويستهدون بنورهما المبين إلى حل المشكلات وتوضيح الغامضات، يجتمعون على ذلك فيما بينهم وإن باعدت المذاهب بين صفوفهم، ويتواصلون تواصل الأرحام وإن حاولت أهواء السياسة أن تنثر جماعاتهم نثراً وأن تستغل بساطتهم البريئة استغلالا، وأن تستثير حفائظهم الدينية لتأييد اغراضها، فتراهم - على هذا كله ينصرفون عما حولهم من شؤون إلى دراسة، أو تدريس، أو تأليف، أو مناظرة علمية مهذبة الحواشي طاهرة المقاصد موطأة الأكناف بالسماحة الرحبة والتساهل العذب وأدب البحث النزيه. وإذا كنت ترى في مخلفات هذه الطائفة في عصورها تلك من المؤلفات والدراسات ما لا يدل على شيء من هذا الذي نقول - فإنما هو النادر الذي لا يصح القياس به، أو هو مما ألحت عليه السياسة بأسبابها ونوازعها الأثيمة. وهكذا كانت السياسة تلحف بالتنقص من أطراف الوحدة، وتلج في تبديد