الشمل، وتجهد في تضييع الخلق العلمي السمح، واستئصال هذه البقية الكريمة من تراث العصر الأول للإسلام - حتى انثال رجال الدين إلى السياسة، وأنهال العلماء على الدنيا، وكان ما كان من هذه الطرائق المبعثرة، وهذه الأهواء المتدافعة، وهذه الدنيا الإسلامية المليئة بالأحداث الجسام والنوازل المروعة الفادحة
وعفا الله عن رجال الدين هؤلاء ومن خلف من بعدهم إلى يوم المسلمين هذا، فلقد سايروا أهل المطامع، وكانوا معهم إلبا على الدين من حيث لا يشعرون، وكانوا لهم عونا على الإثم من حيث هم غافلون، ونحن لا نشك في أن أصحاب الرأي القائل بأن علماء الدين قد عرقلوا سير الإصلاح في الإسلام - على شيء من الحق، وإن لم يكونوا على الحق جمعية فيما نرى، لأن تخلف هؤلاء عن قافلة رجال الإصلاح الذين قطعوا شوطاً في هذا المضمار - ليس هو السبب - كما يرون - في إخفاق الحركات الإصلاحية التي قامت في هذه الأمة إلى اليوم، لأننا لا نعتقد أن سلطة رجال (الاكليروس) الإسلامي تتناول هذا المدى من التأثير في سير الأمور العامة في دنيا المسلمين، ولعلنا لا نزيغ عن الحق إذا قلنا لأصحاب هذا الرأي إن السبب الأول في فشل المصلحين يرجع إلى عاملين أثنين: أحدهما - كاتبوا التاريخ الإسلامي أنفسهم الذين أمعنوا كثيراً - علم الله - في تملق السياسة ومجاراة أهواء النفوس من أي حزب كان هؤلاء ومن أي شيعة ولون، جعلوا تاريخنا مثارا للحزازات وموقظا للنعرات كلما شاء الزمان أي يبدلنا بشرنا خيراً، وبفرقتنا اجتماعا، وشر البلية في هؤلاء أننا مرغمون على قرائنه فما الحيلة إذن؟. ترى هل يعمد القائمون على فكرة الإصلاح إلى ما كتب المؤرخون عن عصور القلق الإسلامي فيقطعون ألسنتهم فيما يتحدثون به إلينا من فضول الأحاديث؟.
وأما العامل الثاني فليس في قراء (الرسالة) الكريمة - كما نعتقد - من يجهله، أو ليس هو (الغرب) الغازي. . . المظفر. . .، ويعلم القراء ما وراء هذا من شجون الحديث وشؤونه الرائعات.
هذان ما نعتقد أنهما السبب الأول في تمزيق شمل المسلمين. وإذا كان لرجال الدين من أثر بعد هذا، فذلك هو استسلامهم إلى هذين العاملين استسلاماً ساذجاً أخرق، ولا نقول عنه إلا ذلك. . .