(بدا شيء من القلق في منطوقات رجالات العلم ارتاع له الناس. وكيف لا يرتاع الرجل العادي وقد أنذر رؤساء ثلاثة لرابطة العلوم البريطانية في سنوات ثلاث متعاقبة بالخطر الذي يحيق بالمجتمع المتدين من جراء التقدم السريع الجاري. أن رجل العلم في العصر الحالي كساحر للقرون الخوالي يبعث الشياطين فلا يلبث أن تفلت من قبضته، وتتحرر من سلطته، فتعبث في الكون إفسادا وتخريباً) من خطبة قريبة.
العقل العلمي
كلنا متفق على أن العقل العلمي يجب أن يكون خلوا من كل غرض، بعيدا عن كل شهوة، إن هَوِى صاحبه فلن يتأثر بهواه، وإن أبغض فلن يتأثر ببغضه، فهو عقل يطلب الحقيقة للحقيقة وحدها، وهو يطلبها في هدوء وثقة واتِّزان ورجاحة، لا يزعجه اصطخاب تثيره التقاليد حوله، ولا يهزه اضطراب يبعثه العرف السائد من جراء ما تكشفه له، وهو يطلبها في قناعة وعفة ونبل، فلا تحدثه نفسه بما قد تؤدي له الحقيقة المكشوفة من نفع، وما قد تدر عليه من مال، وهو يطلبها لحاجة شديدة في نفسه تدفعه دفعا إلى علم ما لم يعلم، كما يندفع الهالك الظمآن إلى الرِّي والماء، وهو لا يفرق بين الحقيقة الصغيرة الحقيرة، والحقيقة الكبيرة الهامة، ولا بين الحقيقة تأتيه هوناً، وبين الحقيقة يأتي بها الجهد الجهيد، فلكل مكانه من الخريطة العامة، وهي لا تتم إلا بتمام أجزائها، وهو لا يجد لنفسه عوضاً كافياً من هذه الجهود، ولا جزاء وفاقاً على متاعب البحث ومصابرة التنقيب، كالعلم الذي تحصله تلك الجهود والأبحاث. وبعد فليس بمستغرب أن من يطلب العلم لذاته دون مراعاة شيء غيره ولا مجاملة أحد سواه يصطدم بكل سلطان قوي الدعائم قديمها، ومن ذلك سلطان الدين.
العلم والدين
وقد اشتبك الدين والعلم في معارك بدأت في أواخر العصور الوسطى وامتدت إلى وقتنا