وعندما تناقل البحارة خبر وجود زارا بينهم وكان بلغهم ذلك من رجل دخل السفينة معه قادماً من الجزر السعيدة ساد الجميع شيء من القلق وباتوا يتوقعون حدثاً في وجوده، غير أن زارا بقي يومين جامداً تساوره أحزانه؛ تحدق فيه الأنظار فلا يلتفت، وتوجه إليه الأسئلة فلا يجيب. وأخيراً أصغى لما يقال حوله متوقعاً سماع أبحاث لها خطورتها تدور على هذه السفينة القادمة من بعيد والمتجهة إلى أماكن سحيقة. وما كان زارا لينفر من الأسفار البعيدة ومن الأخطار، وبعد أن أصغى طويلاً حلت عقدة لسانه فأنطلق يقول:
إليكم أيها الثملون بخمرة الأسرار، المنجذبون بين خيوط الظلمات والأنوار، إلى نغمات كل شبابة تنوح في المجاهل الخفية. إنكم تنفرون من تلمس طريقكم بيد مرتجفة على ما نصب من دليلات الحبال إذ تفضلون الإدراك بالحس على الإدراك بالاستقراء
إليكم دون سواكم أوجه الخطاب لأخبر بما تجلى من ألغاز وبما خطر من رؤى لأشد الناس استغراقاً في عزلته.
لقد اجتزت الغسق في أشد فتراته وجوماً. اقتحمته وقد تقلصت شفتاي وعلا وجهي الاغبرار وكنت شاهدت من قبل شموساً كثيرة تجنح إلى الغروب
رأيت أمامي طريقاً يتسلل على جروف المرتفعات، طريقاً وعراً تعرى جانباه من كل نبات فدفعت عليه أقدامي أتحداه فأسمع صريف حصاه تحتها.
مشيت صامتاً أحاول تثبيت الحصى المتطايرة بخطواتي لأنجو من الانزلاق عليها
واعتليت فإذا بروح الكثافة وهو عدوي الألد يشد بي إلى الأعماق، واعتليت أيضاً فإذا بهذا