الروح المطبق عليّ كالقزم من الناس والخلد من سكان الأوجار يسكب في أذني ودماغي كلمات ثقيلة كالرصاص فسمعته يقول لي متمهلاً هازئاً:
أي زارا أيها الحجر المدعي الحكمة، لقد رشقت نفسك إلى ما فوق، ولكن أي حجر أرتفع ولم يسقط عائداً إلى مصدره؟
أي زارا أيها الحجر الحكيم المنقذف إلى العلا ليزعزع الكواكب في مدارها ما أنت إلا القاذف والمقذوف معاً، فلابد لك من السقوط ككل حجر يرشق إلى ما فوق. لقد حكمت بالرجم فكان حكمك به على نفسك، وهذا الحجر الذي فوّقته سيرجع ساقطاً عليك
وسكت القزم طويلاً حتى ضاقت من سكوته أنفاسي، فالرفيق الصامت يشعرك بوحشة الانفراد أكثر مما تشعر بها وأنت وحدك لا رفيق لك
وارتقيت أيضاً وأنا تائه في تفكيري وأحلامي شاعراً بتزايد الضيق في صدري كأنني عليل نبهته أضغاث أحلامه فاستفاق ليشعر بأوجاعه
غير أنني أعهد بنفسي قوة أسميها شجاعة وهي القوة التي أرغمت بها كل وهن في نفسي، بهذه الشجاعة تذرعت فصحت بالقزم قائلاً:
إن واحداً منا يجب عليه أن يتوارى
ما من قاتل كالشجاعة التي تهاجم، وما من فيلق يتقدم إلا وفي طليعته الأنغام الحاديات
إن أوفر الحيوانات شجاعة إنما هو الإنسان الذي قهر بشجاعته سائر الحيوانات وتغلب على جميع الأوجاع ماشياً وراء حاديات الأنغام بالرغم من أن أوجاع الإنسان أشد ما في الكون من أوجاع
وللشجاعة أيضاً فضيلة ردع الدوار المستولي على الرؤوس حين تحدق في الأعماق، وما من موقف للإنسان لا هاوية تحته وما عليه إلا أن يحدق ليرى المهاوي من أي موقف في مواقفه،
إن الشجاعة خير ما يقتل فإنها تقتل الإشفاق أيضاً؛ وما من هاوية أبعد قراراً من الإشفاق لأن نظر الإنسان ليذهب وهو يسبر الآلام إلى أقصى مدى يبلغه عند سبره الحياة نفسها
إن خير ما يقتل إنما هي الشجاعة إذا هاجمت، لأنها ستتوصل أخيراً إلى قتل الموت نفسه لأنها تقول في ذاتها: (يا للعجب! أهذا ما كانت الحياة؟ إذن لأرجعن إليها مرة أخرى) إن