في مثل هذه العقيدة أشد حداء يدفع إلى الإقدام. ومن له أذنان سامعتان فليسمع
- ٢ -
واستوقفت القزم قائلاً: يجب أن يبقى أحدنا ويفنى الآخر. إنني أنا الأقوى لأنك لا تدرك أعمق أفكاري، وما أعمقها إلا فكرة لا قبل لك باحتمالها. فارتمى القزم عن كتفي فخف حملي، فإذا بهذا القزم يجلس القرفصاء على حجر أمامي، وإذا نحن تجاه باب كأنه وجد صدفة هناك فقلت لرفيقي:
أنظر إلى هذا الباب فإن له واجهتين، وهنا ملتقى مسلكين لم يبلغ إنسان أقصاهما، أحدهما منحدر يمتد إلى البرية، والآخر مرتفع يمتد إلى البرية الأخرى، والمسلكان يتعارضان متقاطعين عند هذا الباب وقد كتب أسمه على رتاج واحد (الحين)
فقلت: أتعتقد أيها القزم أن من يتوغل في إحدى هذين المسلكين يبقى معتقداً بأن اتجاه أحدهما معارض لاتجاه الآخر؟
فقال القزم بازدراء: إن كل اتجاه على خط مستقيم إنما هو اتجاه مكذوب، فالحقيقة منحرفة لأن الزمان نفسه خط مستدير أوله آخره
فأجبته قائلاً: لا تستخف بالأمر أيها الروح الكثيف وإلا غادرتك فتعطب حيث أنت، ولا تنس أنني أنا حملتك إلى الأعلى. تفكر في (الحين) الذي نحن فيه الآن، فإن من بابه يمتد سلك أبدي لا نهاية له متراجعاً إلى الوراء، فإنما وراءنا البرية يا هذا
أفما كان لزاماً على كل شيء معززٍ بمعرفة السير أن يجتاز هذا السلك فيما مضى؟ أفما تحتم على كل شيء له طاقة الوصول أن يكون قد وصل فيما مضى فأتم سيره وعبره؟
وإذا كان كل موجود الآن قد وجد من قبل فما هو اعتقادك في هذا الحين؟ أفما كان لهذا الباب وجود سابق؟
أفما ترى الأشياء كلها متداخلة، وأن هذا (الحين) يجر وراءه كل ما سيكون، بل يجر نفسه أيضاً؟
أفما يتحتم والحالة هذه على كل معزز بقوة السير أن يندفع مرة أخرى على هذا المسلك المتجه إلى فوق؟
أنظر إلى هذه العنكبة التي تدب على مهل تحت شعاع القمر! أنظر إلى شعاع القمر نفسه