حلّقا في السماء الغائمة البعيدة! والأمل الطلق يبسم لهما خلال السحاب، والمستقبل الوضاء يشرق عليهما بين الضباب، والاستقبال المنتظر ينثر الأحلام على جناحي الطائرة! فالنسر الحديدي يزف في الهواء الندي زفيف الكوكب، والطيار الشاب وصاحبه يسبقانه بالخيال العجيب إلى أرض الوطن، فيريان البشر الفخور بفيض على جنبات الوادي، والمجد الاثيل ينبعث لهفان من غيابات الماضي، والشعب النبيل يتقاطر مزهوا إلى المطار الحاشد، والأعلام الخضر تخفق بالتحيات خفوق القلوب بالإكبار والحب، والطوائر العشر يهبطن على الثرى الحبيب هبوط المخيلة والعجب، واللقاءالحماسي الهاتف يغمر السرب الأول بالترحاب والإعجاب والشكر، وأكاليل القبل والغار تتوج الجباه المجلية في ميدان البطولة والنصر. . .!
كل أولئك كان يتمثله فؤاد، ويتخيله شهدى، حين غفا الحظ تلك الغفوة المشؤمة فإذا بالقدر الراصد يثب من بين أطباق الضباب فيصرع الأمل الناهض، ويراد النسر الطائر حطام حريق، والمستقبل الزاهر ساعة هول وضيق، والاستقبال الباهر مناحة أمة، وأكاليل الغار أكاليل نعش!!
اللهم لا رادّ لقضائك، ولا معقب لحكمك! جعلت الشهادة روح الجهاد، والتضحية طريق المجد، والفداء عبادة المثل الأعلى! ومصر ذات التاريخ الأزلي والتراث الخالد، قد كتبت هذا التاريخ بدماء شهدائها وأثلّت هذا التراث بجهاد أبنائها، وعرفت السماء قبل أن يعرف غيرها الأرض، فلا يشتد جزعها لهذا الحكم، ولا يرفض صبرها لهذا البلاء؛ وما حجاجٌ ودوس إلا شهيدان كتبت لهما السعادة أن يكونا في أول سجل من نوع جديد.
أن شهداءنا الذين قضوا في سبيل الوطن والحرية والعلم والطيران هم القوة الملهمة للشباب العامل، والحجة المفحمة على النشئ الخامل، والدلالة البينة على أن مصر لا تزال تعرف كيف تموت لتحيا، وكيف تشقى لتسعد! وأن الذين شهدوا أبناءنا يوم جنازة الشهيدين يتسعرون بالحماسة، ويتفجرون بالوطنية، ويهتفون بالتضحية، ليوقنون أن هذه النفوس الحرة التي تظاهرت على كبتها وإذلالها شتى العوامل تأبى أن تتكشف للخطوب إلا عن جوهر خالص وفطرة نقية.
أن الوادي يوم ضم إلى أحشائه بقايا ولديه الصريعين قد قوى في صدره نبض الحياة، ودب