في جسمه دبيب الفتوة، لأن الوطن تميته الدموع وتحييه الدماء! فكلما كثرت القرابين على مذبحة، وفاضت النفوس على ثراه، أزداد قداسة واتقد حماسة وأشتد قوة، فتقريب الفداء المختار نكبة لأسرته وحياة لأمته، ومجد لوطنه!
التضحية بالنفس أو بالمال هي الوطنية الصادقة والزعامة الحق، لأنها أثر الإيمان الصحيح، ودليل الجهاد المخلص، ومتى بلغت النفوس حد الإيثار أعْيَت على الظلم، ونبَت على المذلة، فلا تجد حاكما يجور، ولا عالما يدجي، ولا سائسا يخاتل، ولا قائدا يَهن، ولا غنياً يشح، ولا وطنا يشقى، فهل لسادتنا وكبرائنا أن يكفكفوا ِشّرةَ الحرص في نفوسهم بالتضحية ? ومعاذ الله أن أقصد التضحية بالدم فليست من طبع الكهولة، إنما أقصد التضحية بالتهالك على الرآسة، والتهافت على المنصب، والتكالب على المال، ليصح الخلق المريض، ويأتلف الأمر الشتيت، ويعود الجائر إلى سواء السبيل.
برَد الله بالرضوان ثراكما يا شهيدي الواجب! لقد هززتما للمعالي همماً توشك أن تهمد، وذكّرتما المجد نفوسا تكاد أن تنسى، وأضفتم اسم مصر إلى أسماء الأمم التي روت بدمائها أصول الخير المشترك! ولئن كان مصرعكما عثرة أليمة في أول الطريق الجديد، فأنه حريّ أن يسدد خطانا فيه، ويظهر قوانا عليه، بحسن الاقتداء بالبطولة، وصدق الاعتبار بالخطأ؛ وما مات من رجالك من أحياك، ولا ذهب من مالك ما علمك.
طأطئوا الرؤوس يا قوم إجلالا لمصرع البطولة!!
إن شهيدينا قُتلا في السماء، وغسلا بالنار لا بالماء، ودُرجا في علم لا في كفن، وحُملا على مدفع لا على نعش، وكتبا في سجل الخلد في دفتر (الصحة). فهل هذه الموته العظمى تفت في الاعضاد وتفل من غرب العزيمة؟
ان الأمة التي لم تكد تأخذ بأسباب الطيران حتى يبادر إلى خوض أهواله فتاة من فتيانها، ويسبق إلى الشهادة في سبيله فتيان من فتيانها، لا يستطيع أن يكسر من ذرعها حادث، ولا يتكاءدها في طريقها إليه عقبة.
سلام الله على أشبالنا في الجهاد، وعلى أبطالنا في الاستشهاد، وعلى شهدائنا في قدس الخلود!