للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبو الفرج الببغاء]

للأستاذ عبد العظيم علي قناوي

- ٢ -

قدمت طرفاً عن نشأة أبي الفرج وعن حياته الأدبية، فلأقدم طرفاً من شعره ونثره محاولاً أن أكشف في أثناء عرضي لها عن مكنون معانيها، وروائع أخيلتها، بما يقر عين الكاتب، وينقع غلة الشاعر، فأحيي شعراً كاد أن يندثر، وأذيع أدباً قد غمر، بينا صاحبهما كان في عصره غمر البديهة وفير النباهة. ولا أكاد أفهم لماذا ضن الزمان على أبي الفرج بما وهبه لمن هم أدنى منه مكانة وأقل قدراً، ممن ذاع في عصرنا أدبهم، وصارت ملء الأسماع والأبصار أسماؤهم؛ إلا إذا اعتقدت أن للأدب جَدّاً قد يكون لامعاً فينشر تاريخ صاحبه، وقد يكون خابياً فيأفل بأفوله صيت كاتبه؛ وهذا هو نصيب أبي الفرج من أدبه، ولكني أرجو أن أقضي حقوقاً نام قاضيها، وأوفي ذكر أيادٍ على اللغة لم تجد من يوفيها، فيتنبه علية الكتاب ورافعو ألوية الأدب في مصر إلى أمثال الببغاء ممن لفهم الدهر في طياته، وطواهم بين إمعاته ونكراته، وكانوا في إبان نهضة اللغة من النابهين، وفي عصور ازدهار الأدب من الفحول النوابغ، فيحيون تراثهم وينشرون للأدباء سيرهم، ويقرئوننا شعرهم ونثرهم

طرق أبو الفرج جميع أغراض الشعر المتداولة في عصره إلا ما يبعد صاحبه عن النبل والمروءة ويسمه بسمة الفحش والسفاهة أو ينظمه في سمط السلطاء، فلم يكن هجاء مقذعا بل كان يربأ بنفسه عن أن تكون في منزلة دنيا فيتناول الأحساب يعرضها أو الأعراض ينهشها، كما كان يفعل ذلك أكثر شعراء عصره. وإنه ليبدو لنا من دراسة شعره أنه كان رقيق الحاشية سجيح الخلق نبيل المروءة محبباً إلى علية القوم وعامتهم، يرى أن له مكانة ترفعه عن اللغو، وتسمو به عن الهجو. وإليك ما يشعرنا به من شعره قال:

أكُلُّ وميض بارقة كذوب؟ ... أما في الدهر شيء لا يريب؟

تشابهت الطباع فلا دنئ ... يحن إلى الثناء ولا حسيب

وشاع البخل في الأشياء حتى ... يكاد يشح بالريح الهبوب

وفيها يقول:

أبى لي أن أقول الهجر قدر ... بعيد أن تجاوره العيوب

<<  <  ج:
ص:  >  >>